وأجاز أبو حنيفة البيع على الإجازة دون الشراء. استدلالا: بما روى عن عروة بن الجعد البارقي أن رسول الله ﷺ أعطاه دينارًا ليشتري له شاة أو أضحية فاشترى شاتين فباع إحداهما: بدِيْنارٍ وَأَتَى بِشَاةٍ وَدِينَارٍ فَدَعَا لَهُ رسُولُ الله ﷺ في بيعه بالبركة وبما روى أنه أعطى حكيم بن حزام دينارًا ليشتري له به أضحية فاشترى أضحيتين بدينار وباع إحداها بدينار ثم أتى رسول الله بأضحية ودينار. فدل هذان الخبران على جواز وقوف البيع على إجازة المالك. ولأن من عقد له يجبر في الحال فجاز أن يقف على الإجازة كالوصية. قالوا ولأنه بيع مال يتعلق بحق الغير فجاز أن يقف على إجازته كالمريض إذا حابى في البيع. قالوا ولأن جميع العقد أكمل من شطره فلما وقف شطره وهو البدل علي إجازة المشتري القبول فأولى أن يصح وقف جميعه على الإجازة بعد البدل والقبول. قالوا ولأنه لما جاز أن يكون موقوفًا على الفسخ إذا ثبت فيه الخيار جاز أن يكون موقوفًا على الإمضاء إذا لم يوجد معه الإذن والدليل على صحة ما ذهبنا إليه نهى النبي ﷺ عن بيع الغرر وهذا داخل فيه الغرر للتردد بين جوازين. وبما روى يوسف بن حكيم عن حزام أن النبي ﷺ قال: "لَا تَبعْ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ" يعني ما ليس في مَالك. وبما روى أن رسول الله ﷺ قال: "لَا تَبِعْ ما لا تملك". ولأن عقد البيع ينقل ملكًا عن البائع إلى مالك هو المشتري فلما لم يجز أن يكون موقوفًا على إجازة المشتري فأولى أن يكون موقوفًا على إجازة البائع لما فيه من انتزاع ملكه. ويحرر ذلك قياسًا فيقال: إن البائع أحد طرفى البيع فلم يجز أن يقف على الإجازة كالمشتري. ولأنه بيع عين لا قدرة لأحد المتعاقدين على إيقاع فرض فيها فوجب أن يكون باطلًا كبيع الطير في الهواء والحوت في الماء. ولأن نفوذ البيع إنما يكون في ملك وعن إذن من له الملك فلما كان لو عقد على غير ملك كالخمر ثم صار المعقود عليه ملكًا بأن صار الخمر حلالًا لم يصح العقد وجب إذا عقد من غير إذن المالك فلم ينعقد العقد ثم إذن المالك أن لا يصح. والجواب عن حديث عروة أنه ليس فيه دلالة بدليل أن أثنى عليه النبي والثناء لا يستحق المخالفة. والجواب عن حديث حكيم بن حزام أنه ليس فيه دلالة أيضًا؛ لأنه يحتمل أنه اشترى ذلك لنفسه ثم باعه لنفسه، ثم اشترى للنبي ﷺ شاة عن إذن المتقدم. =