والقول بوجوب البحث قول ابن سُرَيج، والإِصْطَخْري، وابن خيران، والقَفَّال الكبير كما نقله الشيخ أبو حامد.
وأما قول المصنّف:"وكذا كلّ دليل مع مُعَارضه" فهي طريقة بعض الأصوليين، وعليها جرى الشيخ أبو حَامِدٍ حيث قال: وهكذا الخلاف بين أصحابنا في لفظ الأمر والنَّهْي إِذا وردا مطلقين.
والأصح عندنا ومنهم من نقل فيه الإِجماع: أنه لا يجب عند سماع الحقيقة طلب المجاز، وإِن وجب عند سماع العام البحث عن الخاصّ؛ لأن تطرق التَّخصيص إِلى العمومات أكثر.
قال أبي ﵀: ولأن في العام دلالتين:
إِحداهما: على أصل المعنى، وهو نصّ.
والثانية: على استغراق الأفراد، وهي ظاهرة، واحتمال المجاز حاصل في الأول، وفي كلّ حقيقة يدلّ فيها على معنى مفرد، والدلالة الإِفرادية عليه قطعيّة، فلذلك لم يطلب المجاز، واحتمال التخصيص إِنما هو في الثَّانية.
قال: ومن شبه العام بالحقيقة، فقد أتى بساقط من القول.
"فائدة"
قال الشيخ أبو حامد: حكى القَفَّال: أن الصيرفي سئل عن قوله تعالى: ﴿فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ﴾ [سورة الملك: الآية ١٥] هل تقول: إِنَّ من سمع هذا يأكل جميع ما يجده من الرزق؟ فقال: أقول إِنه يبلع الدنيا بلعًا.
قلت: فانظر كيف يعمل بمقتضى العُمُوم قبل البَحْثِ كما نقلناه.
ثم قال الشيخ أبو حامد: وذكر الصَّيرفي أن ما ذهب إِليه مذهب الشَّافعي، لأنه قال في "الرسالة": والكلام إِذا كان عامًّا ظاهرًا كان على ظهوره وعمومه حتَّى تأتي دلالة تدلّ على خلاف ذلك.
قال: وزعم ابن سريج ورفقته أن ما ذهبوا إِليه مذهب الشَّافعي؛ لأنه قال: وعلى أهل العلم في الكتاب والسُّنة أن يطلبوا دليلًا يفرقون به بين الحَتْمِ وغيره في الأمر والنهي. فأخبر أنه يجب أن يطلب دليلًا يستدلّ به على موجب اللَّفظ.