ترجع إلى بيان أوضاع الأدلّة، وليس فيها مُبَاحثة فِقْهِيّة، ولم يجب المصنّف عن هذا، وهو سؤال الآمدي.
وجوابه أن يقال: لا نسلّم أنها مناقشة جدليّة، بل مُبَاحثة فقهيّة، وذلك أن الحكم كان في الأول مستندًا إِلى النص؛ فإنّ التُّفاح داخلٌ تحت عموم الطَّعام، فجعله المناظر مستندًا إلى القياس، وحكم القياس والعموم مختلف.
وفي الثاني: كان قياسًا، فعاد منصوصًا، ولربّ غرض يتعلّق بذلك - وحينئذ - نقول: إن وَضَح في التطويل مقصد فِقْهِيّ، فهو مقبول، وإلا فلا، وهذا هو المختار، والتطويل فيه ذو فائدة.
الشرح:"والمختار: جواز كونه حكمًا شرعيًّا إن كان باعثًا على حُكْمِ الأصل، لتحصيل مصلحة"؛ إذ لا يبعد أن يكون ترتيب أحد الحُكمين على الآخر يستلزم حصول مصلحة لا يستقلّ بها أحدهما، وإن لم يكن باعثًا على حكم الأصل فلا؛ لأنه لا أولوية لأحدهما بالنسبة إلى الآخر في التعليل؛ لتساويهما في أنه لا واحد منهما باعث.
ولك أن تقول: قد يرجّح الفاعل المختار أحدهما بالإرادة، وينصبه معرفًا، ويقول: مهما رأيتموني حرمت الشيء الفلاني، فقد أبحت الشَّيء الفلاني، وحذف المصنّف هذا القسم؛ لأن العلّة عنده - أبدًا - لا تكون إِلا بمعنى الباعث، وإن كان باعثًا ولكن لا لجلب مَصْلحة، بل لدفع مَفْسَدة، فذلك لا يجوز التَّعْليل به، وإليه الإِشارة بقوله "لا لدفع مفسدة، كالنَّجَاسة في علّة بطلان البيع"؛ لأن حكم الأصل لو اشتمل على المَفْسَدة، لما شرعه الشارع.
ولك أن تقول: قد يشرع حكم مشتمل على مَفْسَدة؛ لأنها أخفّ من مفسدة غيرها يحصل لو لم يشرع، كما يُبَاح للمضطر أكل مال الغَيْر مع اشتماله على مَفْسَدَة إتلاف مال الغير؛ خوفًا من وقوع مفسدة أكثر منها، وهي هَلَاك النفس، وبالجُمْلة هذا مكان مشكل، وتبع المصنف كلام الآمدي في هذا الاختيار، وكلام الآمدي أشكل منه، وقد حذف منه المصنّف شيئًا، فلينظر كلامه في "الإِحكام"، فإن بعضه لم أتصوره، وبعضه فاسد مَبْنِي على معتقد في أنّ العلة في الأصل لا يجوز أن تكون بمعنى المعرف.