ولو قيل له: فما بالك لا تسمع قوله: هذا منسوخ؛ لقال: القضاء بالنَّسْخ أمر اجتهادي، وهو يختلف باختلاف المجتهدين، فجاز أن يطلبه هو ولا يراه، بخلاف الرواية؛ فإنها لا تتوقف إلا على فهم اللسان، ولا اختلاف فيه.
وأنا أقول: ما أبديته من البحث يدفع هذا؛ فإنّ المصنف لم يثبت صيغة تعميم حتى يناضل عنها، ويجريها على مقتضاها.
ثم أقول: سلمنا أنه أتى بلام الجنس غير قاصد العَهْد، أو أنه لا عهد، ولكن الخلاف معروف في لام الجنس، فلعلّه ممن لا يرى العموم، والمسألة اجتهادية، فهي كقوله: هذا منسوخ، وممن نصّ من أصحابنا على أن مثل:"قضى بالشُّفْعَةِ للجار" لا يعم - الشيخ أبو حامد الإسفراييني، وابن السمعاني، والغزالي، والإمام.
"مسألة"
النص على العلّة لا يكفي في التعدي، بل لا بد من تقدم ورود التعبُّد بالقِيَاس؛ خلافًا للقاسَاني والنَّظَّام وغيرهما، وهذا سيأتي إن شاء الله تعالى في كتاب "القياس".
وإذا ورد التعبُّد بالقياس فهي مسألتنا هنا؛ فنقول:
"مسألة"
الشرح:"إذا عَلَّق"ﷺ"حُكمًا" في واقعة معيّنة "على علّة" بأن قضى فيها بقضاء ذاكرًا علّته، فإما أن يقطع باستقلالها أو لا (١).
أما الأول: فقد قطع القياسيون بالتعدِّي قياسًا، وشذّ من قال فيه: يتعدى لفظًا، ولم يقل أحد هنا: إنه لا يتعدّى أصلًا إلّا بغض من أنكر أصل القياس، ولا كلام هنا معه؛ لأن الكلام هنا فع مثبتي القياس.