إذا عرفت هذا فمسمّى العموم كلية لا كُلّ، وإلا لتعذّر الاستدلال به في النفي والنهي على ثبوت حكمه لفرد من أفراده، فإنك إذا ئلت: لم يقم الرِّجَال، وجعلت مدلوله كلًّا، كان حاصله أن مجموع الرجال لم يقوموا، ولا يلزم من ذلك عدم قيام من جانب النفي كجانب الإثبات، ولولا ذلك لما صحّ الاستدلال بقوله تعالى: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ﴾ [سورة الأنعام: الآية ١٥١] على أن كل من قتَلَ نفسًا قُتِلَ بها، بل كان لقائل أن يقول: إنما نهى عن المجموع، وهو مُنَابذة لكلام الرب تعالى ومقصده.
إذا تقرر هذا فبعده سؤال شغف به القرافي، وهو أن دلالة العموم على الفرد الواحد كالمشركين مثلًا على زيد، لا يمكن أن يكون بالمطابقة؛ لأنه ليس تمام مسمّى المشركين، ولا بالالتزام؛ لأنه ليس خارجًا، ولا بالتضمّن؛ لأنه ليس جزء المسمى؛ إذ الجزء يقابل الكُلّ، والعموم كلية لا كل، كما عرفت.
فإذن لا يدلّ على زيد لفظ "المشركين"؛ لانتفاء الدّلالات اللفظية من المطابقة، والتضمن، والالتزام. وأجاب عنه الأصفهاني بما حاصله أنه دالّ بالمطابقة، فقال: نحن حيث قلنا: اللفظ إما أن يدل بالمطابقة، أو الثضمن، أو الالتزام، فذلك في لفظ مفرد دال على معنى ليس ذلك المعنى نسبة بين مفردين، وذلك لا يتأتى ها هنا، فلا ينبغي أن يطلب.
وإذا عرف هذا، فاعلم أن قوله: ﴿اقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ﴾ [سورة التوبة: الآية ٥] في قوة جملة من القضايا؛ وذلك لأن مدلوله: اقتل هذا المشرك، وهذا إلى آخر الأفراد، وهذه الصيغ إذا اعتبرت بجملتها، فهي لا تدلّ على زيد المشرك، ولكنها تتضمّن ما يدلّ على قتله، لا بخصوص كونه زيدًا، بل بعموم كونه فردًا ضرورة تضمنه: اقتل زيدًا المشرك؛ فإنه من جملة هذه القضايا، وهي جزء من مجموع تلك القضايا، [فتكون](١) دلالة هذه الصِّيغَة على وجهين: قتل زيد المشرك؛ لتضمنها ما يدل على ذلك الوجوب، والذي هو في ضمن ذلك المَجْمُوع هو دالّ على ذلك مطابقة، قال: فافهم ذلك؛ فإنه من دقيق الكلام.
"الرابعة"
قال القَرَافيُّ وغيره من المتأخرين: العامّ في الأشخاص مُطْلق باعتبار الأزمان والبقاع والأحوال والمتعلّقات، فإذا قال: ﴿اقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ﴾ [سورة التوبة: الآية ٥] عَمَّ كل مشرك، ولا يعم