أحدها: أن يكون وقته مساويًا لفعله لا يزيد عليه ولا ينقص عنه كصوم رمضان، ويسمى واجبًا مضيقًا. ثانيها: أن يكون الوقت ناقصًا عن الفعل بحيث لا يمكن إِيقاعه بتمامه فيه، فإِن أريد الإِتيان بجميع الفعل في ذلك الوقت الذي لا يسعه كان ذلك من باب التكليف بالمحال، يمنعه من لا يجوز التكليف به، وإِن أريد الشروع فيه والتكميل خارجه جاز التكليف به، كوجوب الصلاة على من زال عذره وقد بقي من وقتها ما يسع ركعة، كحائض تطهر، وصبي يبلغ، ومجنون يفيق ولم يبق من الوقت إِلا ما يسع ركعة، والفعل حينئذ يكون أداء في اصطلاح الفقهاء قضاء عند الأصوليين، بخلاف ما لو زال العذر وقد بقي من الوقت ما لا يسع ركعة؛ فإِن الفعل حينئذ يكون قضاء عند الجميع. ثالثها: أن يكون الوقت زائدًا على الفعل، ويسمى لذلك بالواجب الموسع، وللعلماء فيه خمسة مذاهب. منها مذهبان متفقان على الاعتراف بالواجب الموسع، ووجهتهما في ذلك أن الوجوب متعلق بالقدر المشترك بين أجزاء الوقت وأي جزء من هذه الأجزاء صالح لأن يتعلق به الوجوب، كما أنه متعلق بالقدر المشترك بين الأفراد في الواجب المخير، وكل فرد صالح لأن يتعلق به الوجوب: فأجزاء الزَّمان في الواجب الموسع كالأفراد في الواجب المخير، كلّ منها صالح لأن يتعلق به الوجوب. وبعد أن اتفقا على الاعتراف بالواجب الموسع اختلفا فيما وراء ذلك على رأيين: الأول: وهو للجمهور أن الوجوب يقتضي القاع الفعل في أي جزء من أجزاء الوقت، سواء كان أولًا أو آخرًا من غير شرط لعزم، أو تعيين لبعض الأجزاء. الثَّاني: وهو لجماعة من المتكلمين منهم القاضي أبو بكر وموافقوه، أن الوجوب يقتضي إِيقاع الفعل في أي جزء من أجزاء الوقت، لكن لا يجوز تركه في الجزء السابق إِلا بشرط العزم على الفعل في الجزء اللاحق إِلى أن يبقى من الوقت ما يسع الصلاة؛ فيتعين فعلها حينئذ. أما الثلاثة الباقية فمتفقة على إِنكار الواجب الموسع، ووجهوا ذلك بأن الوجوب يقتضي المنع من الترك، والتوسعة تقتضي جواز الترك، والجمع بينهما محال. ومع اتفاقهم على ذلك اختلفوا فيما بينهم على ثلاثة آراء: الأول: أن الوجوب يختص بأول الوقت فإِن فعله في آخره كان قضاء مع عدم الإِثم، فقد نقل القاضي أبو بكر الإِجماع على نفي الإِثم حيث قالوا: إِنه قضاء سد مسد الأداء، ونقل الشَّافعي هذا القول عن المتكلمين، ونسب خطأ لبعض الشَّافعية؛ لأن هذا القول غير معروف في مذهبهم، وزعم البعض أنه قضاء مع الإِثم. الثَّاني: وهو معزو لبعض الحنفية: أن الوجوب يختص بآخر الوقت، فإِن فعل في أوله كان تبجيلًا. الثالث: وهو رأي الكرخي من الحنفية، أنه يختص بآخر الوقت فإِن فعل أوله نظر إِن أدرك الفاعل آخر الوقت وهو على صفة التكليف كان ما فعله واجبًا، وإِن لم يكن على صفته بأن جن العاقل، أو حاضت المرأة، أو غير ذلك كان ما فعله نفلًا. وبضم هذه الآراء الثلاثة للمنكرين للواجب الموسع إِلى الرأيين السابقين للمعترفين به يكون مجموع الأقوال فيه خمسة. مذكرة شيخنا الشيخ الحسيني الشيخ. وينظر: المحصول ١/ ٢/ ٢٩٠ - ٢٩١، وشرح تنقيح الفصول ص (١٥٠ - ١٥١)، ومنتهى السول والأمل ص (٣٥ - ٣٦)، وشرح العضد ١/ ٢٤١، وروضة الناظر ١/ ٩٩، والإِبهاج ص (٩٣)، والتحصيل ١/ ٣٠٤ - ٣٠٦، ونهاية السول ١/ ١٦٠، والبحر المحيط ٨/ ٢٠١، والإِحكام ١/ ٩٨، وتيسير التحرير ٢/ ١٨٨، وكشف الأسرار ١/ ٢١٨، وأصول السرخسي ١/ ٣١، وفواتح الرحموت ١/ ٧٢. (٢) في ب: التحسين. (٣) في أ، ت، ح: الحاصلين.