للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حُكْمُ الإجْمَاعِ عَنْ قِيَاسٍ (١)

مَسْأَلَةٌ:

يَجُوزُ أَنْ يُجْمَعَ عَنْ قِيَاسٍ، وَمَنَعَتِ الظَّاهِرِيَّةُ الْجَوَازَ، وَبَعْضُهُمْ الْوُقُوعَ.

«مسألة»

الشرح: "يجوز أن يُجْمَعَ عن قياس" جليًّا كان، أو خفيًّا.


(١) إن القائلين بافتقار انعقاد الإجماع إلى مستند اختلفوا في جواز انعقاده عن الرأي والاجتهاد، وجوزه الأكثرون، لكن اختلفوا في وقوعه نفيًا وإثباتًا، والقائلون بوقوعه اختلفوا في جواز مخالفته، فذهب الأكثرون منهم إلى عدم جوازها، والأقلون إلى جوازها؛ بناءً على أن القول بالاجتهاد في ذلك يفتح باب الاجتهاد، ولا يحرمه. فإن قيل: ما ذكرتم من دليلٌ الجواز معارض بما يدل على عدمه، وهو أن الإجماع قطعي، وبفسق مخالفه، فيكون بسند الظني لا بفسق مخالفه. وأيضًا أن الناس مع اختلاف طبائعهم، وتباين دعاويهم مما يستحيل اتفاقهم على رأي واحد، كاتفاقهم على أكل طعام واحد في وقت واحد. وأيضًا الإجماع منعقد على جواز مخالفة المجتهد فيما اجتهد، فلو انعقد الإجماع عن اجتهاد لحرمت المخالفة الجائزة بالاتفاق - وأيضًا الإجماع أصل من أصول الأدلة، ومعصوم عن الخطإ!، فيمتنع إسناده إلى ما هو فرع له، وعرضة للخطإ، وهو القياس. وأيضًا ما من عصر إلا وفيه جماعة من نفاة القياس، وذلك يمنع من انعقاد الإجماع مستندًا إلى القياس. ثم لا نسلم أن انعقاد الإجماع في الصور المذكورة إنما كان عن قياس، بل عن نصوص ظهرت لهم، واكتفوا بإجماعهم عن نقلها، منها ما ظهر لنا كتمسك أبي بكر بقوله تعالى: ﴿أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة﴾، وباستثناء النَّبِيّ ، وهو قوله: "إلا بحقها" من قوله: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله" وباستدلال الصحابة بفعل النبيّ حيث قالوا: نطيب نفسًا أن نقدم قدمين قدمهما رسول الله . ومنها ما لم يطهر.
قلنا: الجواب عن الأول: لا نسلم أن القياس المتفق على ثبوت حكمه ظني لا يفسق مخالفه بأن إجماعهم على صحة ذلك القياس يخرجه من كونه ظنيًا، ويجعله قطعيًا بالاتفاق، فإن قيل: لا نسلم أن القياس الذي قدر الله تعالى إجماع الأمة على مقتضاه ظني، ولا أنه عندما يكون ظنيًا، وهو قبل تحقق الإجماع لا يكون مستنده؛ إذ المعدوم لا يفتقر إلى مستنده، وكونه مستنده - وهو بعد تحقق الإجماع لا يبقى ظنيًا - سلمناه، لكنه منقوض بما وافقتمونا عليه من صحة إسناد الإجماع القطعي إلى خبر الواحد مع كونه ظنيًا بالاتفاق، فما هو الجواب في محل الإلزام هر الجواب في محل النزاع.
وعن الثاني: منع استحالة اتفاقهم على مظنون؛ لجواز كونه جليًا على ما سبق، أو لأنَّهُ وإن استحال الاتفاق في وقت واحد؛ لتفاوت أفهامهم وحدتهم في النظر والاجتهاد، فلا يستحيل في أزمنة =

<<  <  ج: ص:  >  >>