للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرَّابِعُ: الْمُنَاسَبَةُ وَالْإِخَالَة، وَتُسَمَّى تَخْرِيجَ الْمَنَاطِ، وَهُوَ تَعْيِينُ الْعِلَّةِ بِمُجَرَّدِ إِبْدَاءِ الْمُنَاسَبَةِ مِنْ ذَاتِهِ لَا بِنَصٍّ وَلَا غَيْرِهِ؛ كَالْإِسْكَارِ فِي التَّحْرِيمِ، وَالْقَتْلِ الْعَمْدِ الْعُدْوَانِ فِي الْقِصَاصِ.

وَالْمُنَاسِبُ: وَصْفٌ ظَاهِرٌ مُنْضَبِطٌ يَحْصُلُ عَقْلًا مِنْ تَرْتِيبِ الْحُكْمِ عَلَيْهِ مَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مَقْصُودًا مِنْ حُصُولِ مَصْلَحَةٍ أَوْ دَفْعِ مَفْسَدَةٍ.

فَإِنْ كَانَ خَفِيًّا أَوْ غَيْرَ مُنْضَبِطٍ، اعْتُبِرَ مُلَازِمُهُ وَهُو الْمَظِنَّةُ؛ لأَنَّ الغَيْبَ لَا يُعَرِّفُ الْغَيْبَ؛ كَالسَّفَرِ لِلْمَشَقَّةِ، وَالْفِعْلِ الْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ عُرْفًا بِالْعَمْدِ في الْعَمْدِيَّةِ.

"وفي المناسبة"؛ خاصّة يقال: "ولو سلم" عدم العلّية، "فقد ثبت ظهورها بالمناسبة"، لأنها بمجرّدها يغلب ظنّ العلّية - كما سيأتي إن شاء الله تعالى - ثم يقال في المُنَاسبة وغيرها: ذا ثبت ظهورها، وحصل ظنّ علّيتها، "فيجب اعتبارها في الجميع؛ للإِجماع على وجوب العَمَلِ بالظَّن في علل الأحكام"، ولا يخفي مما سطرناه أنه لا يشترط في الوَصْفِ المنتفي مناسبة، وقد خالف كثير من أصْحَابنا في ذلك، وعلى هذا فالسَّبْر عندهم من جملة المناسبة.

الشرح: "الرابع: المناسبة" يزاد فيها "الإِخالة"؛ لأنَّهُ بالنظر إليه يُخَال أنه علة، "ويسمى: تخريج المناط (١) "؛ لأنَّهُ إِبداء ما نيط به الحكم، "وهو: تعيين العلة" في الأصل "بمجرد إِبداء المناسبة" بينها وبين الحكم "من ذاته"؛ أي: ذات الأصل "لا بنصّ ولا غيره" من إجماع أو غيره، "كالإِسكار في التحريم، والقتل العَمْد العدوان في القصاص".

الشرح: "والمناسب: وصف ظاهر منضبط"، بحيث "يحصل عقلًا من ترتيب الحُكْم عليه ما يصلح أن يكون مقصودًا، من حصول منفعة، أو دَفْع مفسدة".


(١) ينظر: البحر المحيط للزركشي ٥/ ٢٥٧، والإحكام. في أصول الأحكام للآمدي ٣/ ٢٨٠، ونهاية السول للإسنوي ٤/ ١٤٢، وزوائد الأصول له ٣٧٩، ومنهاج العقول للبدخشي ٣/ ١٠٠، وغاية الوصول للشيخ زكريا الأنصاري ١٢٢، والإبهاج لابن السبكي ٣/ ٨٣، والآيات البينات لابن قاسم العبادي ٤/ ١١٥ وحاشية العطار ٢/ ٣١٧، وتيسير التحرير لأمير بادشاه ٤/ ٤ والموافقات للشاطبي ٤/ ٩٦، وتقريب الوصول لابن جزي ١٤١، ونشر البنود للشنقيطي ٢/ ١٦٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>