للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلِقَوْلهِ: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ [الأنبياء: ١٠٧]، وَالظَّاهِرُ التَّعْمِيم، وَلَوْ سَلَّمْنَا، فَهُوَ الْغَالِبُ؛ لِأَنَّ التَّعَقُّلَ أَقْرَبُ إلَى الأنْقِيَادِ، فَلْيُحْمَلْ عَلَيْهِ، وَقَدْ ثَبْتَ ظُهُورُهَا، وَفِي الْمُنَاسَبَةِ.

وَلَوْ سُلِّمَ، فَقَدْ ثَبَتَ ظُهُورُهَا بالْمُنَاسَبَةِ؛ فَيَجِبُ اعْتِبَارُهَا فِي الْجَمِيْعِ؛ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى وُجُوبِ الْعَمَلِ بِالظَّنِّ فِي عِلَلِ الْأَحْكَامِ.

لا يجوز أن يخلق شيئًا من المخلوقات إلا أن يكون في جَلْب نَفْع أو دفع ضرّ، تالله لقد تيمموا شاسعًا، وتحجروا واسعًا. انتهى.

وذكر نحوه المصنّف، فإِنه كذلك بخطّ الشيخ عز الدين، وبسط الجَوَاب، وأتى بمعنى ما ذكره الشيخ عزّ الدين، وعندي صورة خطها بخط الشيخ تاج الدين.

وقد يقال: الَّذي فيه أنه لا يجب عليه، والمدعى أنه لا يقع إِلا بحكمة لا أنه لا يجوز إلا بحكمة، فليس فيه إلا الرد على المعتزلة فقط.

والجَوَاب: أنه لو ادّعى أنه لا يقع إِلا هكذا، للزم التضيُّق أيضًا، وإن ادعى مدّع تلقي ذلك من الاستقراء، لم يسلم من المُنَازعة في كثير من الأَحْكام، والذي كنت أسمع الشيخ الامام الوالد يقوله: إِن المعتزلة يوجبون رعاية المصالح، والفقهاء يقولون: لا يجب، ولكن لا يقع إلا بحكمة، والمتكلمون من أهل السُّنة يقولون: قد يقع بحكمة، وقد يقع ولا حِكْمة، وهو الحق، وحسبك إمام الناس معقولًا ومنقولًا، وشيخ السُّنة فروعًا وأصولًا.

الشرح: "ولقوله" - تعالى -: " ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (١٠٧)]﴾ [الأنبياء: ١٠٧]، والظاهر التعميم"، أي: مراعاة مَصَالحهم في كلّ مشروع؛ إِذ لو أرسل بحكم لا مصلحة فيه لم تَتَحَقّق الرحمة، وهذا ضعيف؛ لأن المصلحة ثابتةٌ بمشروعية كل حكم، وإِن لم يظهر وجهها في بعض الأحكام، أو كانت [تعبدًا] (١)، مع فوات القياس في التعبديات.

"ولو سلمنا" عدم الإِجماع على اقتران الحكم بالعلّة، وعدم دلالة الآية عليه "فهو الغالب"؛ لأن التعقل أقربُ إلى التقييد، فيحمل عليه"، إلحاقًا للفرد بالأعم الأغلب، فثبت أنه لا بُدّ للحكم من علة، "وقد ثبت ظهورها" بما ذكرناه من المسلك سبرًا كان أو تخريج مَنَاط، أو غيرهما.


(١) في أ، ت: بعيدًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>