للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والثَّاني: كونُ القياسِ حجَّة، هل هو قطعيٌّ أو ظني؟.

فالجمهور ذهب إلى أن الأدلة السمعية قطعيَّةٌ، وكذا المسألة، وذهب أبو الحسين البصري إلى أن المسألة قطعيةٌ، والأدلة السمعيَّة ظنيةٌ، والقطْع بالوقوع عِنْده بالأدلَّة العقْليَّة، ولذا ضم إلى الأدلَّة السمْعيَّة الأدلَّةَ العَقْليَّة لإثباث القَطْع.

أَدِلَّةُ السُّنَّةِ المُطَهَّرَةِ:

أمَّا السُّنَّةُ فما رُوِيَ عن معاذِ بْنِ جبلٍ "أن رسول الله لمَّا بعثَهُ إلى اليَمَن قال: كَيْف تَقْضِي إذَا عُرِضَ لكَ قَضَاءٌ؟ قال: أَقْضِي بكِتَابِ الله، قَالَ: فَإِنْ لَمْ تَجِدْ في كِتَاب الله؟ قال: فَبِسُّنَّةِ رَسُولِ الله، قَالَ: فَإِنْ لَمْ تَجِدْ في سُنَّةِ رسُولِ الله؟ قَالَ: أَجْتَهِدُ رَأْيِي ولا آلُو، قال: فَضَرَبَ رسولُ اللهِ على صَدْرِهِ وقال: الْحَمْدُ لله الَّذِي وَفَّقَ رَسُولَ رسولِ اللهِ لما يُرضي الله وَرَسُولَهُ" (١) فَهذا يدل بوضوح على أن الاجْتِهَادَ بالرأي جائزٌ عند عدم وجودِ نصٍّ من الكتابِ والسنَّةِ، ولأنَّهُ لو لم يكن القِيَاسُ حجَّةً، لأنكر عليه النبي ذلك وَلَمَا حَمِدَ الله.

وبعضهم أورد عليه أن الاجتهادَ بالرأيِّ غَيْرُ منحصرٍ في القياس كتأويلِ الظَّاهِرِ، أوِ الخَفِيِّ، أوِ المُشْكَلِ وغيره.

والجوابُ على هذا أن الكلام فيما لم يُوجَدْ فيه نصٌّ من الكتابِ، أو السُّنَّة، أمَّا الظَّاهِرُ والخفيُّ والمُشْكَلُ فَمِنَ الْكِتَابِ.

أمَّا إذَا سَلَّمْنَا أن الاجتهادَ بالرأْيِّ غير منحصر في القياسِ، بل يشمله وغيره، فَهُوَ إذَنْ فردٌ منه وداخل فيه، فالاجتهادُ بعمومه مُتَنَاوِلٌ لَهُ.

قد يَقُولُ قائل: إنَّ الحديثَ خَبَرُ آحَادٍ، فلا يفيدُ إلَّا الظَّنَّ ومثله لا يكفي في إثبات الأُصُولِ.


(١) أخرجه أحمد في المسند ٥/ ٢٣٠، وأخرجه الدارمي في السنن ١/ ٦٠، "المقدمة" باب "الفتيا وما فيه من الشدة"، وأخرجه أبو داود في السنن ٤/ ١٨، "كتاب الأقضية" ١٨، باب اجتهاد الرأي ١١، الحديث ٣٥٩٢ واللفظ له، وأخرجه الترمذي في السنن ٣/ ٦١٦، "كتاب الأحكام" ١٣، "باب ما جاء في القاضي" ٣، الحديث ١٣٢٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>