للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا﴾ [سورة الإسراء: الآية ٨٨].

وأما وُجُودُ المقتضي للمبارَزَة والمُعَارَضَة عِنْد من تَحَدَّاهم، فهذا أظْهَرُ منْ أن نقيمَ لهُ دليلًا؛ لأن النبيّ جاءَهُم بدينٍ يُبْطِلُ دِينَهم، وما وجدوا عليه آباءَهم، وسفَّه عقولَهم، وسَخِرَ من أوثانهم، واحتجَّ عليْهم بأن القُرْآنَ مِنْ عِنْد الله ﷿ فما كان أحْوَجَهم، وأشدَّ حِرْصَهُم على أنْ يأتوا بمثله أو بَعْضِه؛ ليُبْطِلُوا أنَّه من عند الله.

وأمَّا انْتِفَاءُ ما يَمْنَعُهم من المعارَضَة، فلأنَّ القرآن بلسانٍ عربي، وألفاظه من أحرف العرب الهجائيَّة، وعبارته على أسلُوب العَرَب، وهمْ أهْلُ البيان والفَصَاحة، وفيهم ملوكُ الفَصَاحة وقادَةُ البَلاغة، ومَيْدانُ سِبَاقِهِم مملوءٌ بالشُّعَرَاء والخُطَبَاء، وهذا من الناحية اللفظية.

أما المَعْنَوِيَّة، فقد نَطَقَت أشْعَارهُمْ وخُطَبُهم وحِكَمُهم ومناظَرَاتُهم بأنَّهم ناضِجُو العُقول ذَوُو بَصِيرةٍ بالأُمُور وخِبْرَةٍ بالتَّجَارب، وقد دعاهم القُرْآن بالاسْتِعانةِ بِما شَاءُوا كما بيَّنا آنِفًا.

وأمَّا مِنَ النَّاحيَة الزَّمَنِيَّة، فالقُرْآن لَمْ يَنْزِلْ جملةً واحدةً حتَّى لا يَحْتَجُّوا بأنَّ زمنَهُم لا يتَّسعُ للمعارَضَة، بل نزل مُنَجَّمًا في ثلاثٍ وعِشْرِينَ سنةً تقريبًا، وبذلك ثبت إعْجازُه على أبْلَغِ وَجْهٍ، وإذا ثَبَتَ عَجْزُ العَرَب، فغَيْرهم بالعَجْز أولى وأحْرى، وبهذا ثبتت حُجِّيَّتُه، فوجَبَ العَمَلُ به (١).

السُّنَّةُ

وقد ثنَّيْنا بالسُّنَّةِ، إذْ هي صِنْوُ كتاب الله، وشَقِيقَتُهُ ومنزلتها بَعْدَهُ.

وسوف نتكلم عن مَاهيَّتِهَا، وحجِيَّتها ووجوب اتِّباعها والتحذير من مخالفتها. وعن إنْكَار حجيَّة السُّنَّة، والحكمِ بردَّةِ من أنكرها ثم نتكلم عن العلاقة بين الكِتَاب والسُّنَّةِ، مستشهدين لكلٍّ، ومبينين القَوْلَ بِما يَرْفعُ اللَّبْسَ ويكشفه.


(١) ينظر: الإحكام للآمدي ١/ ١٤٧، شرح العضد ٢/ ١٩، المستصفى ١/ ١٠١، جمع الجوامع بشرح المحلى ١/ ٢٩٤، تيسير التحرير ٣/ ٨، كشف الأسرار ١/ ٢٢، إرشاد الفحول ص (٢٩)، البحر المحيط ١/ ٤٤١، الإبهاج ١/ ١٨٩، نهاية السول ٢/ ٣، أصول السرخس ١/ ٣٧٩، المغني للخبازي ص (١٨٥)، فواتح الرحموت ٢/ ٧، مختصر ابن اللحام ص (٧٠)، روضة الناظر ص (٣٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>