للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

فإِن قلت: قد قال الأصحابُ: إِنَّ صلاةَ الطَّائفة الثَّانية تقع (١) فرضًا مع سقوط الحرج والإِثم بالأول، فكيف يكون فرضًا مع جواز تركها؟.

قلت: فرض الكفاية قسمان:

ما يحصل تمام المقصود منه أولًا، ولا يقبل الزيادة، كإِنقاذ الغريق، فهذا إِذا وقع فعله لا يتصور وقوعه ثانيًا.

وما تتجدد (٢) به مصلحة بتكرُّر الفاعلين، كالاشتغال بالعلم وصلاة الجنازة، وهذا كلّ من أوقعه وقع فرضًا.

فإِن قلت: ردّ السَّلام فرض كفاية، وقد قال الأصحاب: لو سلَّمَ على جماعة فأجاب الجميع كانوا كلهم مؤدِّين للفرض، سواء أجابوا معًا، أم على التعاقب، ومقتضى ما يقولون إِن الفرضَ فيما إِذا أجابوا على التَّعَاقُبِ الأولِ؛ لحصول تمام المقصودية.

قلت: المقصود الذي من أجله شرع أصل السَّلام إِلقاء المَوَدَّة بين المسلمين على ما قال : "أَلا أَدُلُّكُمْ عَلَى شَيْء إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ؟ قَالُوا: نعم. قال (٣): أَفْشُوا السَّلامَ بَيْنَكُمْ" (٤) والمودةُ لا تحصل إِلا بين المجيب والمبتدي، دون السَّاكت؛ ولذلك يستحبّ للثَّاني الجواب، فإِذا أجاب وقع فرضًا، كما قلناه.

"فائدة"

فرضُ الكفاية منزلةٌ بين منزلتين: فرض العَيْنِ، والسُّنة، [وهو] يضاهي فرض العَيْنِ من جِهَةِ وجوبه، والسُّنة من جهة جواز تركه عند فعل الغَيْر، ولربما وقع خلاف في صورة، ومثاره من


(١) في أ، ج، ح: يقع.
(٢) في ج: يتجدد.
(٣) في ح: قالوا.
(٤) من حديث أبي هريرة. أخرجه مسلم ١/ ٧٤ في كتاب الإِيمان، باب بيان أنه لا يدخل الجنة إِلا المؤمنون .... (٩٣/ ٥٤). وأخرجه معمر في جامعه ١٠/ ٣٨٥، باب إِفشاء السَّلام (١٩٤٣٨)، وأخرجه من رواية الزبير بن العوام أحمد في المسند ١/ ١٦٧، والترمذي ٤/ ٦٦٤ في كتاب صفة القيامة (٢٥١٠)، ذكره الهيثمي في كشف الأستار ٢/ ٤١٨ في كتاب الأدب: عقب باب فضل السَّلام (٢٠٠٢)، وذكره الهندي في الكنز وعزاه للضياء المقدسي، وأخرجه البزار (٢٠٠٢) من حديث عبد الله بن الزبير.

<<  <  ج: ص:  >  >>