ومن نظر إلى أن هذه الدلالة لا بد فيها من انتقال الذهن من الملزوم إلى اللازم، وهذا أمر عقلي سَمَّاها عقلية، فلا خلاف إلا في التسمية؛ لأن كلا من دلالة اللَّفْظ والانتقال متحقق، والخلاف في وجهة النظر من أجل التسمية فقط. هذا خلاصة ما قاله الآمدي، والإمام الرازي من الاتفاق على جواز النسخ بالفحوى. وقال الجلال المحلى في شرحه على "جمع الجوامع" بعد نقل الاتفاق المتقدم ما نصه: "وحكى الشيخ أبو إسحاق الشيرازي - كما قال المصنف - المنع به "يعني المنع من النسخ به" بناءً على أنه قياس، وأن القياس لا يكون ناسخًا" اهـ. وقال في "مسلم الثبوت": ونقل أبو إسحاق الشيرازي، وابن السمعاني الخلاف قال شارحه: كذا في كتب الشافعية، والتحقيق فيه أنه إن كانت الدلالة على حكم الفرع بوضع الكلام له، بأن يقول الواضع: وضعت هيئة تركيب لإفادة حكم المنطوق، وما هو مشارك له في المناط من غير نظر ورأي، فيصح كونه ناسخًا ومنسوخًا؛ لكونه مدلولًا لكلام الشارع كالمنطوق، وإن لم يكن الكلام موضوعًا له، وإنما يستفاد الحكم بوجود العلة الموجبة للحكم، كما يقول به قائل كونه قياسًا جليًّا، فينبغي أن يكون حكمه كحكم القياس في الناسخية والمنسوخية، فإن جاز هناك جاز ههنا. وإلا لا، وكذا الحال في بقاء حكم أحدهما دون الآخر اهـ. قال بعض محققي الحنفية: وهذا يوافق ما قاله الشافعية في كتبهم؛ لأن من نقل الخلاف، وحكي منع النسخ به بناه على أنه قياس، وليس هذا من الحقيقة في شيء، بل التحقيق: أن هناك فرقًا بين ما يسميه الحنفية دلالة النص، والشافعية مفهوم موافقة، وفحوى، وبين القياس؛ فإن العلة في الأول مفهومة لغة، ويفهمها المجتهد، وغير المجتهد، بخلاف القياس؛ فإن فهم العلة فيه خاص بالمجتهد، والذي سمي دلالة النص عند الحنفية، أو مفهوم الموافقة، والفحوى عند =