أصْلًا؛ لحاجة الأوَّل إلَيْه، وابتنائه عليْه، ولا يُمْكِن ذلك في كُلِّ شيئَيْن، بلْ إذا كان بَيْنَهما أمْرٌ مشْتَرَكٌ ولا كل مشترك، بل مُشْتَرَك يوجِبُ الاشْتراك في الحُكْم بأنْ يستلزمه، ويُسمَّى علَّةَ الحُكْم، فلا بُدَّ أن يعلم علَّة الحكم في الأصل، ويعلم ثبوت مثْلِها في الفرع، إذْ ثبوت عيْنها في الفَرْع ممَّا لا يُتصوَّر؛ لأنَّ المعْنَى الشخصيِّ لا يقُوم بعَيْنِه بمحليْن، وبذلك يحصل ظنُّ مِثْل الحُكمِ في الفَرْع.
٤ - وقال محبُّ اللهِ البهاريُّ في "مُسَلَّمِ الثُّبُوت": واصطلاحًا مساواةُ المَسْكُوتِ للمَنْصُوصِ في علَّة الحُكْم.
حُجِّيَّةُ الْقِيَاسِ:
ممَّا لا شكَّ فيه أن القياسَ حُجَّة في الأُمُور الدُّنْيوية؛ كالأغْذية؛ بأنْ يقاس الخُبْزُ المخلُوطُ من البُرِّ والذُّرة على الخُبْز من البُرِّ في التغذية؛ بجامع أن كلًّا منهما يَقُومُ به بَدَنُ الإنسَان، وكذلك الأدْوِيةُ؛ حيْثُ يقاسُ أحدُ شيئَيْنِ على آخر فيما عُلِمَ له من إفادَتِهِ دفْعَ المرضِ المخصوصِ؛ لمساواته له في المعنى الذي بسَبَبِه أفاد ذلك الدفْعَ، ووجْه كون القياس في نحو الأدوية والأغذية قياسًا في الأمور الدنيوية؛ أنه ليس المطلوبُ به حكْمًا شرعيًا، بل ثبوتُ نَفْع هذا التقويم بَدَنَ الإنسان، أو لدفع المرض مثلًا، وذلك أمرٌ دنيويٌّ. واتَّفق العلماء على "القياس الجلي" كقياس تحريم ضَرْب الوالدَيْن على تحْريمِ التأفيف عنْد من يسمِّي ذلك قياسًا.
وهو من الدالِّ بدلالة النصِّ عنْد الحنفية، ومِنْ مفهوم الموافقة عند الشافعية.
وتنوعت آراؤهم في الشرعيَّة؛ حيْثُ ذهب الجمهور من الصحابة والتابعين والفقهاء والمُتَكلِّمين وغيْرهم من العلماء المقتَفِينَ آثارَ السَّلَف إلى أن القياسَ حجَّةٌ في الأمور الشرعيَّة، وأنه أصْلٌ من أصول الشريعة به يُسْتدل على الأحْكَام، وذهبوا إلى أنه يجوز التعبُّد بالقياس في الشرعيات عَقْلًا، وإلى هذا ذهَبَ أبو حنيفة والشافعيُّ ومالكٌ وأحمدُ - رحمهم الله تعالى - وهو المختار، وحديثُنا هنا في موضعين:
الموضع الأوَّل: في الجواز العقْليِّ وعدَمِهِ.
والموضعُ الثاني: في الوقُوع وعَدَمِه.
قال جمهورُ العلماءَ، ومنْهم الأئمة الأربعةُ: التعبُّدُ بالقياس جائزٌ عقْلًا.