للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العَلاقَةُ بَيْنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ:

ومن المعلُومِ بالضَّرُورةِ أن كلَّ ما جاء عن الله - تعالى - لا يُمْكِنُ أن يوصَفَ أن فيه اختلافًا، والمَعْلُوم أن كلًّا من القرآن والسُّنَّة من عِنْد الله - تعالى - كما قَدَّمْنا.

ولهذا يقول ابن القَيِّم (١): والذي يشْهَدُ الله ورسولُهُ به أنَّه لم تَأْتَ سُنَّة صحيحة واحدة عن رسول الله تناقِض كتابَ الله - تعالى - وتخالِفُه ألبتَّة كَيْف، ورَسُولُ الله هو المبيِّنُ لكتابِ الله، وعلَيْه أُنْزِل، وبه هداه الله، فهو مأمور باتِّباعه، وهو أعْلَم الخَلْقِ بتأْويله ومرادِه، فلا يوجَدُ تَخَالُفٌ، وإنْ حَصَلَ مخالفةٌ في ظاهر اللَّفْظِ، فيكونُ ذلك لِلْخفاءِ على المجتهِدِ، فعلى ضوء ذلك، إذا تتَبَّعْنا السُّنَّة مِنْ حَيْثُ دَلالتها على الأحْكَامِ الَّتِي اشتمل عليها القُرآنُ إجْمالًا وتفْصيلًا وجَدْنَاها تأْتي على أنْحاءٍ منها (٢):

أَوَّلًا:

أن تكُونَ موافقةً للقُرْآن. فتكونَ واردةً حينئذٍ مورد التأكيد، فيكون الحُكْم مستَمَدًّا من مصدَرَيْن: القرآن مثبتًا له، والسُّنَّة مؤيدةً.

ومن أمثلة ذلك قوله (٣): "اتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ فَإِنَّهُن عَوَانٌ عِنْدَكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بأَمَانَةِ اللَّهِ وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُن بِكَلِمَة اللَّهِ" فإنَّه يوافِقُ قوله تعالى: ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [سورة النساء: الآية ١٩].

وقولُهُ (٤): "إن اللَّهَ لَيُمْلِي لِلظَّالمِ حَتَّى إِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ" فإنَّه موافق لقولِهِ تعالى:


= المنار لابن ملك ص ٧٧، الوجيز للكراماستي ص ٥١، الموافقات للشاطبي ٤/ ٣، ميزان الأصول للسمرقندي ١/ ١٢٦، نشر البنود للشنقيطي ٢/ ٣، إرشاد الفحول للشوكاني ص ٣٣، تقريب الوصول لابن جزى / ١١٦، الكوكب المنير للفتوحي ص ٢١٠، التقرير والتحبير لابن أمير الحاج ٢/ ٢٢٣.
(١) الطرق الحكمية ٧٢ - ٧٣.
(٢) قال الشافعي في الرسالة ٩١، فلا أعلم من أهل العلم مخالفًا في أن سنن النبي ثلاثة وجوه وسيأتي كلام الشافعي . ولقد بوب الخطبب البغدادي في الكفاية ١٢، فقال: باب تخصيص السنن لعموم محكم القرآن وذكر الحاجة في المجمل إلى التفسير والبيان.
(٣) هو في مسلم من رواية جابر .
(٤) متفق عليه من حديث أبي موسى الأشعري أخرجه البخاري ٨/ ٢٠٥ في التفسير باب "وكذلك أخذ ربك" ٤٦٨٦، ومسلم ٤/ ١٩٩٧، في البر والصلة، باب "تحريم الظلم" ٦١/ ٢٥٨٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>