القوْل، وإنَّما احتجَجْنَا في تكْفِيرنا من استَحَلَّ خلافَ ما صحَّ عنده عن رسولِ الله ﷺ بِقَول الله تعالى: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [سورة النساء: الآية ٦٥] هذه الآيةُ كافيةٌ لمَنْ عقل وحَذِر وآمَنَ بالله واليَوْمِ الآخِرِ، وأيقَنَ أن هذا العَهْدَ عَهْدُ ربِّه إليه ووصيَّته ﷿ الواردةُ عليه، فليفتشِ الإنسانُ نفْسَه، فإن وجدَ في نفْسِه ممَّا قضَاه رسولُ الله ﷺ في كلِّ خبير يُصَحَّحه مما قد بلَغَه، أو وجد نَفْسَه غَيْرَ مسلِّمةٍ لما جاءَه عن رسول الله ﷺ ووجد نفْسَه مَائِلَةً إلى قَوْلِ فلانٍ وفلانِ، أو إلى قياسِهِ واستِحْسَانه، أو وجَد نَفْسَه تحْكُم فيما نازَعَتْ فيه أحَدًا دونَ رَسُول الله ﷺ مِنْ صَاحِبٍ فَمَنْ دونه، فليعلَمْ أن الله قد أقْسَم، وقولُه الحقُّ أنه ليس مؤمنًا، وصدَقَ الله - تعالى - وإذا لم يكن مؤمنًا، فهو كافرٌ، ولا سبيل إلى قسْمٍ ثالثٍ، ثم ساق قولَ الله تعالى: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا﴾ [سورة النساء: الآية ٦١] فليتَّقِ الله الَّذِي إلَيْه المعادُ آمْرُؤٌ على نَفْسِه، ولتوجل نفْسُه عِنْد قِرَاءَةِ هذه الآيَة، وليشتدَّ إشفاقه مِن أن يكُونَ مخْتارًا للدُّخُول تَحْت هذه الصِّفَة المذكُورة المَذْمُومة الموبِقَة الموجبة للنَّارِ، وقال: لَوْ أن امرأً قال: لا نأْخُذ إلَّا ما وَجَدْنا في القُرْآن، لكَانَ كافِرًا بإجْمَاع الأُمَّةِ، ولكانَ لا يَلْزَمُه إلا ركعة ما بين دُلُوكِ الشَّمْسِ إلى غَسَقِ اللَّيْلِ، وأخرى عِنْد الفَجْر، لأن ذلك هو أقل ما يقَعُ عَلَيْه اسم صلاة، ولا حَدَّ للأكْثَرِ في ذلك.
وقائل هذا مشْرِكٌ حلالُ الدَّمِ والمَالِ، وقال: لو أن امرأً لا يأخُذُ إلَّا بما اجتمعتْ عليه الأمةُ فَقَطْ، ويترك كل ما اختلفوا فيه ممَّا قد جاءَتْ به النُّصُوص، لكانَ فاسقًا بإجماعِ الأُمَة (١).
(١) ينظر: الإحكام في أصول الأحكام للآمدي ١/ ١٥٥، التمهيد للأسنوي ص ٤٣٧، ونهاية السول للأسنوي ٣/ ٣، زوائد الأصول للأسنوي ص ٣١٩، منهاج العقول للبدخشي ٢/ ٢٦٩، غاية الوصول للشيخ زكريا الأنصاري ص ٩١، المستصفى للغزالي ١/ ١٢٩، حاشية البناني ٢/ ٩٤، الإبهاج لابن السبكي ٢/ ٢٦٣، الآيات البينات لابن قاسم العبادي ٣/ ١٦٨، حاشية العطار على جمع الجوامع ٢/ ١٢٨، أحكام الفصول في أحكام الأصول للباجي ص ٢٨٧، الإحكام في أصول الأحكام لابن حزم ١/ ٩٣، التحرير لابن الهمام ص ٣٠٣، تيسير التحرير لأمير بادشاه ٣/ ١٩، كشف الأسرار للنسفي ٢/ ٣، حاشية التفتازاني والشريف على مختصر المنتهى ٢/ ٢٢، شرح التلويح على التوضيح لسعد الدين مسعود بن عمر التفتازاني ٢/ ٢، حاشية نسمات الأسحار لابن عابدين ص ١٧٦، شرح=