للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذلك يُفِيد العُمُومَ، وهو مستفادٌ من مباحث اللُّغَة، ودلالةُ صيغة "افْعَلْ" تفيد الوُجُوب، "ولا تَفْعَلْ" على النهي، وغير ذلك من المباحث الَّتي تَعَرَّض لها الأصوليُّون، ولها أساس في عِلْم اللُّغَة.

ثالثًا: الأَحْكَامُ الشَّرْعِيَّةُ: أي: تصوُّرُها، لأنَّ إثْباتها ونَفْيها للأحكام المقْصُودين فيها نحو: الأمرُ موجِبٌ، والنهْيُ لَيْسَ بِمُوجِبٍ، وللأفعال في الفروع نحو: الْوِترُ (١) واجبٌ، والنَّفْلُ ليس بواجِبٍ، وكذا إثْبات شيءٍ لها، أو نَفْيُه عنها نحو: وجوب الشيء يقتضي حُرْمَة ضِدِّه، أوْ لا يَقْتَضِها لا يمكن بدون تصوُّرها.

شُبْهةٌ وَرَدٌّ:

فإنْ قيل: هلْ أُصُول الفِقْه إلَّا نُبَذٌ جُمِعَتْ مِن عُلُومٍ متفرَّقة؛ نبذة من النحو، كالكَلامِ على معاني الحُرُوف الَّتِي يَحْتَاج الفَقِيهُ إلَيْها، والكلامِ في الاستثناء، وعَوْدِ الضَّمير للبَعْض، وعَطْفِ الخَاصِّ على العامِّ ونحوه.

ونبذة من علم الكلام، كالكَلامِ على الحُسْن والقُبْح، وقدم الحُكْم، وإثبات النَّسْخ، وعلى الأفْعَالِ ونَحْوه، ونبذة من اللُّغة، كالكَلام في مَوْضُوع الأَمْرِ والنهْي، وصيغ العُمُوم، والمُجْمَل والمُبيَّن، والمُطْلَق والمُقَيَّد، ونبذة من عِلْمِ الحَدِيث؛ كالكلام في الأخبار، فالعارفُ بهذه العُلُوم لا يَحْتاج إلى أصُول الفِقْه في شَيءٍ منْ ذلك، وغَيْرُ العَارِف بها لا يُغْنِيه أصول الفِقْه في الإِحاطَةِ بها، فلم يَبْقَ من أصول الفِقْه إلا الكَلامُ في الإجْمَاع، والقِيَاسِ، والتعارُضِ، والاجْتِهَادِ، وبَعْضُ الكلام في الإجْماع مِنْ أصولِ الدِّين، وبعْضُ الكلام في القياس والتعارُضِ مما يَسْتَقِل به الفَقِيه، ففائدةُ أُصُول الفقه بالذات حينئذٍ قليلةٌ.

فالجواب منْعُ ذلك، فإن الأصوليِّين دقَّقُوا النَّظَر في فهْم أشْيَاءَ منْ كلام العَربِ لَمْ يَصِلْ إليها النُّحاة ولا اللغويُّون، فإنَّ كلام العَرَبِ متَّسِعٌ، والنَّظر فيه متشعِّب، فكُتب اللُّغَة تَضْبط الألفاظَ، ومعانِيها الظَّاهِرَة، دون المعاني الدَّقِيقَةِ الَّتِي تحتاج إلى نَظَرِ الأصوليِّ باستقراء زائدٍ على استقراء اللغوي.

مثاله: دَلالةُ صِيغَةِ "افْعَلْ" على الوجوب، و"لا تَفْعَلْ" على التحريم، وقد سبَقَ ذلك واضحًا في مبْحَث الاسْتِمْداد الثَّاني، وهو عِلْمُ العربية، ولو فتَّشْت في كتب اللُّغَة، والنَّحْو


(١) وهذا على مذهب الحنفية القائلين بوجوب الوتر.

<<  <  ج: ص:  >  >>