ولا رَيْبَ في أن المعنى الثاني بالاصطلاحي أنسب، فإنَّ الاتفاق مطلق يشمل اتفاق جمع ما، ولو كفارًا على أمر ما ولو معصية، والاصطلاحي اتِّفاق فقيد.
وقال ابن أمير حاج: كون المعنى الثاني أنْسَب مبنيٌّ على أنه إذا لم يبق من المجتهدين إلا واحد لا يكون قوله حجَّةً كما هو أحد القولين أي: وأما على رأي من يقولُ إنَّه حجَّة يكون المعنى الأول أَنْسَبَ، فمن قال: إنه حجَّةً لا يقول إنه إجَماع؛ لأنه لا يصْدُق عَلَيْه تعريفُ الإجْماع، فلا يكونُ المَعْنى الأوَّل أنْسَبَ، ويكون المعنى الثاني هو الأنْسَبُ.
الإجْمَاعُ اصْطِلاحًا:
عرَّفه الرازيُّ في "المَحْصُول" بأنه: "عبارةٌ عن اتِّفاقِ أهْل الحَلِّ والعَقْدِ من أمَّة محمَّد ﷺ على أمْرٍ من الأمورِ".
وعرَّفه الآمِدِيُّ بقوله:"عبارة عن اتِّفاقِ جمْلَةِ أَهْلِ الحَلِّ والعَقْدِ من أمَّةِ محمَّدٍ ﷺ في عَصْرٍ مِنَ الأَعْصَارِ على واقعةٍ مِنَ الوقائعِ".
وعرَّفه سراجُ الدِّين الأرمويُّ في "التحصيل" بقوله: "هو اتِّفاقُ المُسْلِمِين المُجْتَهِدِينَ في أحْكَام الشَّرْع على أمْرٍ ما مِن اعتقادٍ، أو قولٍ، أو فعل".
ويمكن أن يُعَرَّف بأنَّه اتِّفاقُ المجتهدين مِنْ هذه الأمَّة بَعْد وفاة محمَّد ﷺ في عَصْرٍ على أمْرٍ شرعيٍّ.
فقولُنا:"اتِّفاق" جنْسٌ في التعريف يَعُمُّ كلَّ اتفاقٍ، وخرج عنه أمْرَانِ: اختلافُ المجتهدين، وقولُ المجتهدِ الواحِدِ، إذا انفرد في عَصْرٍ، فإنه لا يكونُ إجْماعًا؛ لأنَّ الاتفاق أقلُّ ما يتحقَّق بين اثنين، والمرادُ به الاشتراكُ في الاعتقادِ أو القَوْلِ أو الفِعْلِ أو ما في معناها كالسُّكُوت عِنْد مَنْ يرى أن ذلك كافٍ في الإجماع، ولمَّا كانَتِ العبرةُ في الإجماع بالاعتقاد كما يؤخَذُ من كلامِهِمْ في مواضع، فالمرادُ به الاشتراكُ في الاعتقاد فقَطْ، أو في الاعتقادِ مع القَوْلِ، أو في الاعتقادِ معَ الفِعْل، وهذا معْنَى قَوْلِ مَنْ قال: أو مانعة خلو تجوز الجمع، ومعنى الاشْتِرَاك في الاعتقاد أن يعتقدوا جميعًا الحكم المُجْمَعَ عليه، وفي القول أن يتكلموا بما يَدُلُّ عليه، وفي الفعل أن يأتوا بمتعلَّقه، إذا كان من باب الفعل، وفي السُّكوت أن يقولَ بَعْضُهُم حكمًا في مسألة اجتهاديَّةِ، ويسكت الباقون بعد العلم به، ومضى مدة التأمّل عَادَةً