للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

على الأول: قد ارتفعت حَيَاتُهُ بِالْقَتْلِ؛ فلولاه لبقي حَيًّا.

وعلى الثاني: القتل عَلامَةُ مَجِيء الأجَلِ، ولولاهُ لمات؛ لمجيء أجلِهِ.

والحقُّ كما قرره ابنُ الحاجِبِ: أن الخِلافَ لفظي؛ كما هو مبين في مواضع من كتب الأصوليين.

مَوْضوُعُ النَّسْخِ:

تنوعت آراءُ الأُصُولِيِّينَ في مَوْضُوعِ النَّسْخِ، فالمذهبُ الذي عليه أئمَّةُ العلماءِ، هو: أن النَّسْخَ إنَّما يكون في المُتَعَبَّدَات؛ لأن لله ﷿ أن يتعبَّد خَلْقَهُ بما شَاءَ إلى أيِّ وقت شاء، ثم يتعبَّدهم بغير ذلك، فيكون النَّسْخُ في الأوامرِ والنَّواهي، وما كان في مَعْنَاهُمَا.

مثل قوله تعالى: ﴿الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ﴾ [سورة النور: الآية ٣]. وقوله تعالى في سورة يوسف : ﴿قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا﴾ [سورة يوسف: الآية ٤٧].

فالأُولى: مِثَالٌ لِلْخَبَرِ الذي بِمَعْنَى النَّهْيِ؛ لأن المعنى: لا تنكحوا زانيةً، ولا مشركةً.

والثانيةُ: مثالٌ للخبر الذي بمعنى الأمر؛ لأنَّ المَعْنى: "ازْرَعُوا"، وهذا المَذْهَبُ عُزِيَ إلى الضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ.

والثاني: أن النَّسْخِ كما يكون في الأوامرِ والنَّواهي، يكون في الأَخْبَارِ، وينسب لِعَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، والسُّدِّيِّ، حيث قالا: "قد يَدْخُلُ النَّسْخُ على الأمر والنهي، وعلى جَمِيعِ الأخْبَارِ"، ولم يفصِّلا، وتابعهما على هذا القول جماعة.

قال أَبُو جَعْفَرٍ: "وهذا القَوْلُ عظيم جدًّا يَئُول إلى الكُفْرِ؛ لأن قائلًا لو قال: "قام فلانٌ ثمَّ قال: "لَمْ يَقُمْ ثم قال: "نسخته"، لكان كاذبًا".

والثَّالث: منهم من ذَهَبَ إلى أنَّ أمر النَّاسِخِ وَالمَنْسُوخِ مَوْكُولٌ إلى الإمامِ، فَلَهُ أن ينسخ ما شَاءَ، وهذا الْقَوْلُ أعظمُ؛ لأن النسخ لم يكن إلى النبي ، إلا بِالْوَحْيِ من الله تعالى: إمَّا بقرآن مثله؛ على قَوْلِ قَوْمٍ، وإمَّا بِوَحْيٍ من غير القرآن، فلما ارْتَفَعَ هذا بموت النبي ، ارتفع النَّسْخُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>