تنوَّعت آراءُ الأصولِيِّينَ في حكاية مَعْنَى القياس لغَةً فَرَأْيٌ يَرَى أنه هو: التقديرُ والمساواةُ والمجموعُ منْهما؛ وعلَيْه، فيكون لفْظُ "القياس" على هذَا مشتركًا لفْظيًّا بيْن هذه المعاني الثلاثة، أي وُضِعَ لكلٍّ منها بوضْع؛ لأن تعريف المشترك اللَّفْظيِّ هو: ما اتَّحَدَ لفْظُه وتعدَّد معناه ووَضْعُه، كما هو مبيَّنٌ في باب الاشتراك، مثال المَعْنى الأوَّل من الثلاثة: قِسْتُ الثَّوْب بالذِّرَاع.
ومثال المعْنَى الثَّاني: فلانٌ لا يُقاس بفلانٍ، أي: لا يساويه. ومثال المعنى الثالث: قِسْتُ النَّعْلَ بالنَّعْلِ، أي: قدَّرته به، فساواه، وهذا ما ذهَب إلَيْه الإمامُ القاضي المحقِّق عَضُد الدِّين؛ أخذًا من إيراده الأمثلة الثلاثَةَ.
ورأْيٌ يَرى أنه حقيقةٌ في التَّقْدير، مجازٌ لغويٌّ في المساواة، وذلك باعتبارِ أن التقدير يَسْتدعي شيئَيْن، يضاف أحدهما إلى الآخَر بالمساواةِ، فيكون تقدير الشيْء مستلزمًا للمساواة واستعمالُ لفْظِ الملزوم في لازِمِه شائعٌ، وهذا ما ذهب إليه سيْفُ الدِّين الآمديُّ في "الإحْكَامِ"، وعلاقةُ المجازِ، على هذا، اللازميةُ والمَلْزُوميَّةُ.
ورأْيٌ يرَى أنه حقيقةٌ عرفيَّةٌ؛ وعليه جرى محبُّ الدِّينِ بْنُ عبد الشَّكورِ الهنديُّ صاحبُ "مُسَلَّم الثُّبُوت".
وعلى هذا القول، والقول بالمجاز؛ فالمناسبةُ بين المعنى اللُّغوي، وهو التَّقدير، والمعنى الاصطلاحيُّ: إنَّما هي باعْتبار هذا اللازمِ، وهو المساواة، فإن المعنَى الاصطلاحي؛ إما مساواة خاصَّةٌ، فيكون من أفراد هذا اللازم أو يتضمَّنُها ويُبْنَى عليها. ويَرَى فريقٌ آخَرُ أنه: هو مشتركٌ معنويٌّ؛ وهو ما اتَّحد لفظه ومعناه، كما هو مذكورٌ في "باب الاشتراك" من كتب الأصول؛ لأن معنى "القياس" على هذا الرأْي: هو التقديرُ فقَطْ، وهو كُلِّيٌّ تحته فردان؛ بحيث يُطْلَق لفظ "القياس" عليهما؛ باعتبار شمول معناه - الَّذِي هو التقديرُ - لهما وصِدْقِهِ عليهما:
الأوَّل: استعلام القَدْر، أي: طلَبُ معرفة مِقْدار الشَّيْء، مثل: قِسْتُ الثَّوْبَ بالذِّراع.