للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كجُمَل الفَرَائِض؛ من صلاةٍ، وزكاة، وحجٍّ، وصَوْمٍ، وتَحْرِيمِ الفَواحِشِ، وبَعْض المَطْعُومَات، ثُمَّ بيَّن عَلَى لِسَانِ نبيِّه عَدَدَ الصَّلَوَات، ونصَابَ الزَّكاة ووقتَيْهِما، ومِنْ ذلك: ما فَرَضَ الله - جلَّ ثناؤُه - على خلْقِه الاجْتهادَ في طَلَبِه، وابْتَلَى طَاعَتَهُم في الاجْتِهَادِ، ومثَّل لذلك بقول الله تعالى: ﴿فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ﴾ [سورة البفرة: الآية ١٤٤] فدلَّهم - جل ثَنَاؤُه - إذا غَابُوا عن المَسْجِد الحرامِ - على صواب الاجْتهاد ممَّا فرض عَلَيْهم بالعُقُولِ، الَّتي رُكِّبت فيهم، المُميِّزة بين الأشياء وأضْدَادها، والعلاماتِ الَّتي نَصَبَهَا لهم، دُون عَيْن المَسْجِد الحَرَام.

جهة العِلْم بالحُكْم:

قال الشافعيُّ في "رسالَتِهِ": إنَّ جهة العِلْم بالحُكْم؛ إمَّا الكتاب، وإما السُّنَّة، وإمَّا الإجْمَاع، وإمَّا القياسُ.

ثم قال: إنَّ جميع كتابِ الله نَزَلَ بِلِسَان العَرَب، والأدلَّةُ على ذلِك بيِّنةٌ في كتاب الله، فإذا كانتِ الألسنةُ مختلفةً بما لا يفْهَمُه بعضُهم عنْ بعْضٍ، فلا بُدَّ أن يَكُون بعضُهم تبَعًا لبَعْضٍ، وأنْ يكُونَ الفَضْلُ في اللِّسان المُتَّبَع على التَّابِع، وأوْلى النَّاسِ بالفَضْل في اللسانِ مَنْ لسانُه لسانُ النبيِّ ولا يَجُوز - والله أعْلَم - أن يكون أهلُ لسانِهِ أتْبَاعًا لأهْل لسانٍ غَيْرِ لِسَانِهِ.

ثمَّ قال: فَعَلى كُلِّ مُسْلمٍ أنْ يتعلَّم من لسان العَرَب ما يَبْلُغه جُهْدُه، ثمَّ تكلَّم على أن في كتابِ الله عامًّا ظَاهِرًا، يرادُ به العامُّ الظَّاهِر، وعامًّا ظاهرًا يرادُ به العامُّ ويدخله الخاصّ، وظَاهِرًا يُعْرَف في سياقه أنَّه يرادُ به غَيْرُ ظاهره، ومِنْ هذا يتبيَّن ما لِعُلُومِ اللُّغَةِ في فَهْم أحْكَام الدِّين من صِلَةِ وثيقةِ، وعلاقةٍ أكيدةٍ ثم تكلَّم على السُّنَّةِ، وأنَّ الكتابَ أمَرَ بِاتِّباعها حيث قال: ﴿فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ وقال: ﴿فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ﴾ [سورة الأعراف: الآية ١٥٦]، وقال: ﴿مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ﴾ [سورة النساء: الآية ٥٩].

ثم ذكر الشَّافعيُّ أن الناسخَ والمَنْسُوخ يَقَعُ في كتاب الله، وسُنَّةِ رسُولهِ وبينهما، فينسخ الكتابُ السُّنة، دونَ العَكْس؛ لأنَّها تابعةٌ للكتاب بِمِثْل ما نَزَلَ به نَصًّا، ومفسِّرةٌ مَعْنَى ما أُنْزِلَ فيه جُمَلًا.

قال تعالى: ﴿وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْر

<<  <  ج: ص:  >  >>