ويرَى القفَّال، وأبو الحُسَين البَصْرِيُّ: أنه يجب التعبد به.
ويرى الشيعةُ والنَّظَّام وبعْضُ المعتزلة: منْعَ التعبُّد به.
حُجَجُ الجُمْهُورِ:
احتج الجمهورُ بالقَطْع بالجواز:
قال صاحب "التلْوِيح": إن الشارعَ لو قال: إذا وجدت مساواة فَرْع لأصْلٍ في علَّة حُكْمِهِ، فأَثْبِتْ فيه مثْلَ حكْمِهِ، وأَعْمِلْ به مَا لَمْ يلزمْ منْه مَحَالٌ لَا لنَفْسِه ولا لغيره.
وقال محبُّ الدين بن عبد الشَّكُور الهنْديُّ في "مُسَلَّم الثُّبُوت" وشرْحهِ ما نصه: لنا: لو كَانَ مُمْتَنِعًا، لَلَزِمَ منْ وقوعه محالٌ، ولا يلزم مِنْ إلزامه محالٌ أصْلًا ضرورةً، كيْف، والاعتبارُ بالأمثال من قضيَّة العقْل، وهو يَحْكم أن المتماثلاتِ حكمُها واحدٌ، وإنكارُ هذا مكابرةٌ.
مما سبق، يتَّضح لنا أن القياسَ يجوزُ التعبُّد به؛ لأنَّه لا يلزم من وقوعه محالٌ أصْلًا؛ ولأنَّ الاعتبار بالأمثال من قضيَّة العَقْل، فهو يسوِّي بين المتماثلات في الحُكْم؛ وذلك لأنَّ المجتهد إذا رأى الشارع قد أثبت حكْمًا في صورة من الصور، ورأى هناك معنى يصْلُح أن يكون داعيًا لإثبات ذلك الحُكْم، ولم يظْهَرْ له ما يُبْطِلُه بعد البَحْث التامِّ، فإنه يغلب على ظنِّه أن الحُكْم ثبت لأجْله، وإذا وُجِدَ هذا المعنى في صورةٍ أخرى، ولم يظْهَرْ له أيْضًا ما يعارضه، فإنه يغلِبُ على ظنه ثبوتُ الحكْمِ به في حقِّنا، ومن المؤكَّد أن مخالفة حُكْم الله ﷿ يوجبُ العقابَ، فالعقلُ يرجِّح فِعْلَ ما ظُنَّ به جلبُ المصلحة ودفْعُ المفَسْدَة على تَرْكِه، ولا مَعْنَى للجواز العقْلِيِّ سوى ذلك، كما أن التعبُّد بالقياس فيه مصلَحةٌ لا تحْصُل بغيره، وهي ثوابُ المجتهد على اجتهاده، وإعمالُ عَقْلِه في استخراج علَّة الحُكْم المنصوص عَلَيه؛ لتعديته إلى محلٍّ آخر، وما كان سبيلًا إلى مصلحة المكلَّف فالعقل لا يُحيلُه، بل يُجوِّزه.
حُجَجُ المُوجِبيِنَ لِلْقِيَاسِ:
الموجبون للقياسِ نصُّوا على أن الأحكام لا نهاية لَها، فإنها تتجدَّد بتجدُّد الحوادِثِ، والنصوصُ لا تَفِي بها، فيقضي العَقْلُ بوجوبِ التعبُّد بالقياس؛ لئلا تخلو الوقائعُ من