النَّسْخُ هو:"النَّصُّ الدَّالُّ على انتهاء أمَدِ الحُكْمِ الشَّرْعِيِّ، مع التأخيرِ عن مورده".
ومعنى ذلك: أن الحكم له غَايَةٌ ينتهي بانْتِهائِها، لكن لما لم تكن تلك الغاية مُبَيَّنَةً بالنصِّ الدَّالِّ على الحكمِ الأوَّل - جاء النصُّ الثَّاني مُتَأَخِّرًا عن ورود الحكم الأول، وَبَيَّنَ تلك الغايةَ.
الْفَرْقُ بَيْنَ الاِصْطِلَاحَيْنِ:
إنَّ من تَأَمَّلَ في كلام الفقهاء يجد أن التَّعْرِيفَ عندهم مبنيٌّ على أن الحكم الأول مُؤَقَّتٌ بوقت ظهر فيه الحكم الثاني في علمه تعالى؛ فَلَيْسَ هناك رَفْعٌ، بل إنَّما هو بَيَانُ الأَمَدِ الَّذِي وُقِّتَ به؛ وهذا بخلاف التَّعْرِيفِ عند الأصوليِّين؛ فإنَّهُ مبنيٌّ على أن الحكم الأول غير مُؤَقَّتٍ، بل مُطْلَقٌ ارتفع بالنَّسْخِ؛ فهل بين التعريفين خلاف؟ مذهبان:
الأَوَّلُ: قال ابْنُ الحَاجِبِ: "والخِلَافُ لَفْظِيٌّ"؛ لأن مرادنا بالرفع زوالُ التَّعَلُّق المَظْنُونِ استمرارُه قبل ورود الناسخ، وهو المراد بانْتِهَاء أمد الحكم، وليس الفرارَ إلَيْهِ؛ لأن قِدَمَ الحكم يأبى الرَّفْعَ دون الانتهاء؛ لأن الانتهاء ليس إلَّا عدمَ وجود شيء بعد الأمد؛ وهو الرَّفْع، ويأبى عنه القدم؛ فإذن ليس النسخ إلَّا انتهاء الحكم إلى أمدٍ معين؛ وهُوَ ارتفاع التعلق المَظْنُونِ بقاؤه، فمثله مثل التخصيص، غير أن الأَوَّلَ يكون في الأزمان، والثاني يكون في الأفراد.
قال صَاحِبُ "مُسَلَّم الثُّبُوتِ": "الحقُّ أن الخلاف معنويٌّ"؛ وتحقيقه: أن الخطابَ المطْلق النازل في علمه تعالى، هل كان مقيدًا بالدوام؛ فكان النَّسْخُ رفعًا لهذا الحكم المُقَيَّدِ بالدَّوام، ولا يلزم التكاذب؛ لأن الإنْشَاءَ لا يحتمل الكَذِبَ، وإنَّمَا يرفع الثاني الأوَّلَ، أو كان الخطاب في علمه تعالى مخصَّصًا ببعض الأزمنة؛ وهو الزمان الذي ورد فيه النَّسْخ، لكن لم يَنْزِلِ التَّقْيِيدُ عند نزول المَنْسُوخ، فكان النَّسْخُ بَيانًا لهذا الآن المقيَّد به الحكمُ عند اللهِ تعالى، فالمعرِّف بالرفع ذَهَب إلى الأول، وبيان الأَمَد إلى الثَّاني، والأَوَّلُ: كالقتل عند المعتزلة، والثاني: كالْقَتْلِ عند أهل السُّنَّةِ والجَمَاعَةِ: