للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْشَأَ الكَائِنَاتِ عَلَى غَيْرِ مِثَالٍ، وَأَبْدَعَ الخَلْقَ لِحِكَمٍ بَالِغَةٍ فَعَجَزَتِ العُقُولُ عَنْ إِدْرَاكِ كُنْهِهَا، وَأَسْبَغَ عَلَيْهِمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً، وَرَفَعَ بِقُدْرَتِهِ مَنْزِلَةَ الإِنْسَانِ، وَميَّزَهُ بِالْعَقْل عَلَى سَائِرِ المَخْلُوقَاتِ، وَمَنَحَهُ التَّفْكِيرَ وَالتَّمْيِيزَ والتَّدْبِيرَ، وَهُوَ - سُبْحَانَهُ - مَعَ هذِهِ النِّعَمِ العَظِيمَةِ لَمْ يَتْرُكِ البَشَرَ سُدًى وَلا هَمَلًا؛ يَمُوجُ بَعْضُهُمْ فِي بَعْضٍ عَلَى غَيْرِ هُدًى وَبَصِيرَةٍ، وَلَمْ يَتْرُكْهُمْ يَسِيرُونَ فِي دُرُوب الحَيَاةِ خَبْطَ عَشْوَاءَ، بَلْ أَرْسَلَ إِلَيْهِمُ الرُّسُلَ الْكِرَامَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ؛ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ، وَخَتَمَ كَوْكَبَةَ رُسُلِهِ بِخَيْرِ الأَنَامِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلاةِ وَالسَّلامِ، وَأَوْلاهُ شَرِيعَتَهُ الغَرَّاءَ الَّتِي لا يُعَادِلُهَا نِظَامٌ، وَلَهُ الشُّكْرُ - سُبْحَانَهُ - حَيْثُ جَعَلَنَا مِمَّنْ يَسِيرُ فِي رَكْبِ هذِهِ الشَّرِيعَةِ السَّمْحَةِ، وَوَفَّقَنَا لأِنْ نُحَصِّلَ وَنَتَشَرَّبَ مَجْمُوعَ الأُصُولِ والفُرُوعِ، فَسَلَكْنَا سَبِيلَ العُلَمَاءِ الثِّقَاتِ، وَأَعْرَضْنَا صَفْحًا عَنْ طَرْقِ أَبْوَابِ المُبْتَدِعِينَ اللِّئَامِ.

وَبَعْد، فَإِنَّ أَعْظَمَ مَا تُرِكَ لأِجْلِهِ لَذَائِذُ الطَّعَامِ، وَأُعْرِضَ مِنْ أَجْلِهِ عَن طِيبِ المَنَامِ، هُوَ الاِشْتِغَالُ بِطَلَبِ الْعِلْمِ، وَالسَّعْيُ فِي تَحْصِيلِهِ، وتَجشُّمُ الصِّعَابِ في التَّرَقِّي فِي دَرَجِ الفُهُومِ.

وَلَقَدْ كَانَ عِلْمُ الأُصُولِ مِن بَيْنِ تِلْكَ العُلُومِ أَسَاسًا لِلشَّرِيعَةِ، وَهُوَ مِن أَجَلِّهَا قَدْرًا، وَأَعْظَمِهَا نَفْعًا وَفَائِدَةً؛ إِذْ هُوَ العِلْمُ الكَفِيلُ بالنَّظَرِ فِي أَحْوَالِ الأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ مِنْ كِتَابٍ وَسُنَّةٍ وإِجْمَاعٍ وَقِياسٍ مِن حَيْثُ تُؤخَذُ مِنْهَا التَّكَالِيفُ وَتُسْتَنْبَطُ الأَحْكَامُ.

وَعِلْمُ أُصُولِ الفِقْهِ هُوَ العَاصِمُ لِلذِّهْنِ عَنِ الخَطَإِ عِنْدَ اسْتِنْبَاطِ الأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ، وَهُو

<<  <  ج: ص:  >  >>