للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَكَانَةُ القِيَاسِ مِنْ مَصَادِرِ الشَّرِيعَةِ الإسْلَامِيَّة، وَمَدَى الحَاجَةِ إِلَيْهِ:

استهلالًا: نقول الحمدُ لله الذي أيْقظ العُقُول من رقُودِها، ونبَّه الأفكارَ منْ خُمُودها، فراحَتْ تتلمَّس مناص النقْص في حياتنا العلميَّة، وترْسُمُ طُرُق الإصْلاح لسعادة الدُّنيا والآخِرَة، والصَّلاةُ والسَّلامُ عَلى رُسُلِه وأنبيائِه ومَنْ سَار عَلى دربهم من عبادهِ وأوليائه.

وبعد، فإن كتاب الله تعالَى هو المصْدَرُ الأوَّل من مصادِر الشَّريعة الإسْلَاميَّة تِبْيانًا لكل شيْءٍ عَلى سبيل الإجْمَال تارَةً، والتَّفْصيلِ تارةً أخْرَى. وتُعتبر السُّنَّة النبويَّةُ المطهرةُ هي المصْدَرَ الثَّانِيَ من مصادِر الشَّريعة الإسْلاميَّة، وذلك بِدَعْوة القرآنِ الكرِيمِ إلَى وجوب اتِّباع السُّنَّة النبويَّة: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾ [سورة الحشر: الآية ٦] كما قال سبحانه: ﴿وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا﴾ [سورة المائدة: الآية ٩٢].

ويُعْتَبر الإجماعُ هو المصدَر الثالثُ من مصادر الشَّريعة الإسلاميَّة، كما دلَّت على ذلك نصوصُ الكتابِ والسُّنَّةِ عَلى أن الأمَّة الإسلاميَّة لا تجتمع على ضلالةٍ، وعلَيْه فإجْمَاع الأمَّة على حكْمٍ ما منَ الأحكام الإسلاميَّة دليلٌ على أنَّه حقٌّ مطابِقٌ للواقع.

فالإجْماعُ إذن هو المصدرُ الثَّالِثُ باعتبار دلالةِ المصْدَريْن الأَوَّلَيْن عليه، أي: الكتابِ والسُّنَّةِ - لا باعتبار مَرْتَبَتِه في الدَّلالة، فإنَّه عند القَطْع بثبوته ودلالته يُقدَّم عليهما، فيكونان عنْد معارضته إيَّاهما مؤَوَّلَيْن، أو منْسُوخَيْن، أو مخصَّصَيْن، أو مقيَّدَيْن، لكنَّ النَّسْخ والتَّخْصِيص والتَّقْييد إنَّما هو بالمُسْتَنَد الذي استند الإجْماع علَيْه، وإنْ لم يَصِلْ إلَيْنا، لا بنَفْس الإجْماع؛ لأنه لا دَخْل لآراء الرِّجَال في تحديد أحكام الله تعالَى.

وأمَّا عنْد ظنِّ ثبوتِ الإجْماع؛ بأنْ نُقِلَ إلَيْنا آحَادًا، أو ظن دلالته بأنْ كان إجْماعًا سكوتِيًّا مثلًا، فإنْ أَثْبَتَ حُكْمًا مسكوتًا عنْه، كان مَقْبولًا، وإنْ عارضَ كتابًا أو سُنَّة، فلا بدَّ من الجمع أو الترجيح علَى القواعدِ المعروفَة عنْد الأصوليِّين.

ومما يملأ النَّفْس إعجابًا بالشَّريعة الإسلاميَّة المطهَّرة، وإكْبارًا لشأْنِها أنَّها ضمَّت إلى أصولها الثَّلاثة السابِقَة - أعْني: القرآنَ والسُّنَّة والإجْمَاع - أصلًا رابعًا؛ ألا وهو القياسُ، وبذلك ضَمِنتِ الشريعةُ الإسلاميَّةُ الغرَّاءُ لنفسها البقاءَ أَبَدَ الدُّهور والأعْصَار، كما ضَمِنَت لِنَفسْها الاتِّسَاع؛ لتشمل مصالِحِ النَّاس، سواءٌ كانوا في صحْرَاءَ قاحلةٍ، أم كانوا في الحضارة الزَّاهِرَة.

<<  <  ج: ص:  >  >>