مِمَّا سَبَقَ يَتَّضِحُ للعَيَانِ أنَّ الحالَة الاقْتِصادِيَّة فِي ذلك العَصْر لن تكون أسْعَد حالًا مِنْ سَابقَتَيْها، بَلْ إنَّ النشاط الاقتصاديَّ ليتأثر تأثرًا واضحًا بما يَحْدُثُ مِنِ اضطراباتٍ سياسيَّةٍ وتقلُّباتٍ داخليَّةٍ.
لقد كان عامَّة الشعبَيْن المصريِّ والشاميِّ يعيشُون فَقْرًا وشَظَفًا من العَيْش، ولقد تسبَّب في ذلكَ عدَّة عوامِلَ منها:
١ - طبقيَّة المُجْتَمَعِ:
فقد عَلِمْنا آنِفًا أنَّ المجتمع انْقَسَم إلى شرائحَ عدَّةٍ، فطبقَةُ السَّلاطين والأمراء المماليكِ تَنْعَمُ بالرفاهِيةِ، وبقيَّة الشعْبِ ينال الفُتَاتَ الَّتي لا تَكْفِيه، ولا تسد رمَقَه.
فقد انتشرتْ مجاعاتٌ وجَدْبٌ شديدانِ، وسَبَبُ ذلك انحباسُ الأمطار عَنْ أرض الشام، وذهابُ مياه نَهْر النيل، ثم ما كان يَحْدُثُ من سَلْبٍ ونَهْبٍ تسَّببَ عن كثرة أعدادِ المُعْدمِين وأشْبَاههم كما قدَّمنا.
وقد تَتَابَعَتْ نوباتُ القَحْطِ والمجاعاتِ في مصْرَ والشَّام، وأرض الجزيرة، روى المقريزيُّ في أحداث سنة ٦٩٥ هـ أن مجماعةً شديدةً أكَلَ النَّاسُ بسببها المَيْتَة منَ المَوَاشِي والكِلاب، وكَثُرَ مَوْت النَّاس، وصاروا يَدْفِنُون المَوْتَى دُون غُسْلٍ ولا كَفَنٍ، قال: ولم يقتصر الأمْرُ على مصْرَ، بلْ شمِلَ الشَّام أيْضًا؛ إذ دخل الشتاء، ولم يقع المطَر، فأجدبتِ