﴿وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ﴾ [سورة الإسراء: ٣٦] فيكون إثباتًا للإجماع بما لا تثبت حجيته إلَّا به فَيَصِيرُ دورًا، وأجَابَ شَارِحُ التَّحْرِير على طَرِيقَةِ أكْثَر الحَنَفِيَّةِ بما حاصله أنَّا لا نُسَلِّمُ أن الآية ليست قطعِيَّةً، بل هي قطعية، واحتمال التَّخْصِيصِ غَيْرُ قَادِح فَإِنَّ حكم العامِّ ثبوت الحكم فيما يتناوله قطعًا فيتم التَّمَسُّكُ بها من غير احتياج إلى الإجْمَاعِ فلا دَوْرَ، ونَاقَشَهُ شَارِحُ "المُسَلَّمِ" بأن معنى كون العام قَطْعِيًّا فيما يتناوله أنه لا يحتمل خلافه احتمالًا ناشئًا عن دليل، وإنْ كَانَ فيه مطلق احتمال فهو قَطعِيٌّ بالمعنى الأعم، والإجْماعُ قطعيٌّ بمعنى أنه يقطع الاحتمال مطلقًا فهو قطعي بالمعنى الأخص، فالعامُّ وإنْ قُلْنا بقطعيَّتِهِ لا يَصْلُحُ أصْلًا، ومثبتًا للإجماعِ إذِ المستند إلى الشيء لا يكون أعلى حالًا منه، وأُجِيبُ ثانيًا: سلَّمْنَا أن الآية ليست قطعيَّة بل غايَتُها الظُّهور، لَكِنَّا لا نسلم أنَّ التَّمسك بالظَّاهر، إنَّما يثبُتُ بالإجْمَاعِ، بل لأن الْعُدُولَ إلى خلافه بلا دليل يحتمله غير معقول.
المَسْلَكُ الثَّاني السُّنَّةُ:
احتجُّوا منها بأحاديث كثيرةٍ:
منها: ما أخرجه أبو داود عن أبي مالك الأشعريِّ ﵁ عن النَّبِيّ ﷺ أنه قال: "إنَّ الله أجَارَكُم مِنْ ثَلَاثِ خِلَالٍ ألَّا يَدْعُوَ عَلَيْكُم نَبِيُّكُمْ فَتَهْلِكُوا وألَّا يَظْهَرَ أهْلُ الْبَاطِلِ عَلَى أهْلِ الْحَقِّ وألّا تَجْتَمِعُوا عَلَى ضَلَالةٍ".
ومنها ما رواه أحْمَدُ والطَّبَرَانِيُّ عن ابن هَانِئٍ الخَوْلَانِيِّ عمَّن أخبره عن أبي بُصْرةَ الغفاريِّ قال: قال رسول الله ﷺ: "سَأَلْتُ رَبِّي أرْبَعًا فَأَعْطَانِي ثَلَاثًا وَمَنَعَنِي وَاحِدَةً سألتُ رَبِّي ألَّا تجتمع أُمَّتِي عَلَى ضَلَالَةٍ، فَأَعْطَانِيها … " الحديث.
قال في "التُّقْرِيرِ": قال شيخنا الحافظُ رجاله رِجَالُ الصَّحِيح إلا التابعي المبهم، وله شاهد مرسل أيضًا أخرجه الطبريُّ في تفسير سورة الأنعام.
ومنها قوله ﷺ:"إنَّ الله لَا يَجْمَعُ أُمَّتِي، أوْ قَالَ أُمَّةَ مُحَمَّدٍ عَلَى ضَلَالَةٍ ويدُ اللَّهِ مَعَ الْجَمَاعَةِ، وَمَنْ شَذَّ شَذَّ إلى النَّارِ" رواه الترمذي عن ابن عمر ﵁ عن النَّبيِّ ﷺ وقال: غريب من هذا الوجه.
ومنها ما رواه ابن مَاجَه بلفظ "إنَّ أُمَّتِي لا تجتمع على ضلالة فإذا رأيتم الاختلافَ فعليكم بالسَّوادِ الأَعْظَمِ".