للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[محنة التاج السبكي]

إِن وظيفة القضاء في الإِسلام عظيمة الشأن جليلة الغاية، ويكفي لرفعة شأنها، وسمو قدرها أنها من وظائف الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وبها يتحقق مقصد عظيم من مقاصد الشارع، وهو إِزالة الضرر عن الخلق بفض ما يحدث بينهم من النزاع، وإِرجاع الحقوق لأربابها، لذلك حث الدين عليه كثيرًا، ورغب فيه ببيان ما يترتَّب على القيام به بالعدل من المثوبة العظيمة، والدرجة الرفيعة عنده .

وقد قام به المسلمون خير قيام، وكان له عندهم مكانة سامية، وقد رفعوه، وزادوا من شأنه، فضربوا أحسن الأمثال في القضاء العادل، وأظهروا للناس من سعة النظر ورصانة العقل، ونزاهة النفس، وذكاء الفكر، وقد علوا فيه على الأمم، ويمكننا القول: إِنه لم يوجد في أمم الأرض من أقام العدل، ونصب ميزانه كما فعل المسلمون.

قال ابن حجر العسقلاني: "وحصل له بسبب القضاء محنة شديدة مرة بعد مرة، وهو مع ذلك في غاية الثبات، ولما عاد إِلى منصبه صفح عن كلّ من أساء إِليه" (١).

وقد وجهت الخصومة إِلى تاج الدين السبكي، وعقد له مجلس حكم، حكم فيه ابن قاضي الجبل - وهو أبو العباس أحمد بن الحسن الحنبلي قال فيه ابن حجر: ولي القضاء سنة ٧٦٧ هـ فلم يحمد في ولايته توفي سنة ٧٧١ هـ - وقضي بالحبس على تاج الدين ولكن ما سبب هذه المحنة؟!

والواقع أننا نجهل تفصيل الأسباب الَّتي أحفظت عليه أولي الأمر، والسبب في ذلك: أن المصنّف لم يترجم لنفسه، ولم نجد من يترجم له ترجمة مفصلة كما ترجم هو لأبيه، ويرى وستنفلد (٢) أن السبب إِصرار تاج الدين على أحكام أصدرها لم تعجب أولي الأمر وطلبوا منه العدول عنها، ولكن لم نجد شيئًا من هذا القبيل مسطورًا، وغاية ما هناك ما ذكره ابن حجر في "الدرر" قال: وكان من أقوى الأسباب في عزله المرة الأخيرة أن السلطان لما رسم بأخذ زكوات التجار سنة ٧٦٩ هـ وجد عند الأوصياء جملة مستكثرة صرفت بعلم القاضي بوصولات ليس فيها تعيين اسم القابض، فأريد من ناظر الأيتام أن يعترف أنها


(١) الدرر الكامنة ٢/ ٤٢٥.
(٢) wilstenfeld مستشرق ألماني له مؤلفات عدة منها كتابه عن الإِمام الشَّافعي والشافعية.

<<  <  ج: ص:  >  >>