للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَفْهُومُ الْمُخَالفَةِ أَنْ يَكُونَ الْمَسْكُوتُ عَنْهُ مخَالفًا، وَيُسَمَّى دَلِيلَ الْخِطَابِ وَهُوَ أَقْسَامٌ: مَفْهُومُ الصِّفَةِ، وَمَفْهُومُ الشَّرْطِ، مِثْلُ: ﴿وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ﴾ [سورة الطلاق: الآية ٦]، وَالْغَايَةُ مِثْلُ: ﴿حَتَّى تَنْكِحَ﴾ [سورة البقرة: الآية ٢٣٠] وَالْعَدَدُ الْخَاصُّ مِثْلُ: "ثَمَانِينَ جَلْدَة"، وَشَرْطُهُ ألّا تَظْهَرَ أَوْلَويَّةٌ وَلا مُسَاوَاةٌ فِي الْمَسْكُوتِ [عَنْهُ] فَيَكُونُ مُوَافَقَةً، وَلا خَرَجَ مَخْرَج الأغْلَبِ مِثْلُ: "اللَّاتي فِي حُجُورِكُمْ" [سورة النساء:

وهذا ظاهر؛ لأن ما يقال: من أن العمد والغموس لعظم أمرهما لا يكفران محتمل، وإن كان مرجوحًا ضئيلًا.

وقد نجز مفهوم الموافقة.

الشرح: وأما: "مفهوم المخالفة" فهو "أن يكون المسكوت عنه مخالفًا" للمنطوق،


= العمد أشد مناسبة واقتضاء للوجوب منه في القتل الخطأ؛ لأن الداعي فيه إلى الزجر آكد وأقوى، ومن الواضح أن علية الزجر لوجوب الكفارة في القتل الخطأ المنطوق به مظنونة فقط؛ لاحتمال أن تكون العلة هي تدارك ما صدر من المخطئ من التساهل، وعدم التبين في الرمي المؤدي إلى إفساد النفس المعصومة، كما ذهب إليه الأئمة الثلاثة أبو حنيفة، ومالك، وأحمد؛ ولهذا لم يقولوا بوجوب الكفارة في القتل العمد؛ لأن ما يتدارك به الأخف لا يصلح لأنْ يتدارك به الأشد الأغلظ، وكما في قوله تعالى: ﴿لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ﴾ فإنه يدل بمنطوقه على وجوب الكفارة في اليمين التي انعقدت أي اليمين غير الغموس، وهي الحلف على أمر مستقبل ليفعله أو يتركه، ويدل بمفهومه عند الإمام الشافعي أيضًا على وجوبها في الغموس أيضًا، وهي الحلف على أمر حال، أو ماض يتعمد فيه الكذب حيث قال: إنما وجبت الكفارة في المنعقدة بالحنث فيها زجرًا عن هتك حرمة اسم الله تعالى؛ وإذا وجبت في المنعقدة للزجر، وجبت في الغموس بالأولى؛ لأن الداعي فيها إلى الزجر آكد وأقوى. لأنها إذا وجبت في المنعقدة بصيرورتها كاذبة مع أنها لم تكن في الأصل كذلك؛ فَلأنْ تجب في الغموس مع أنها كاذبة من الأصل أولى، ومن الواضح أن علية الزجر لوجوب الكفارة في اليمين المنعقدة التي هي محل النطق ظنية فقط؛ لاحتمال أن تكون العلة هي تدارك ما فرط فيه من هتك حرمة اسم الله - تعالى - بالكفارة المحصلة للثواب المزيل للآثام، وهذا المعنى غير متحقق في اليمين الغموس؛ إذ هي كبيرة محضة، وما يتدارك به الأخف لا يصلح لأَنْ يتدارك به الأغلظ.

<<  <  ج: ص:  >  >>