للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ولقائل أن يقول: لا نسلّم أن شرطه لغة، فقد يقال: اقتل زيدًا، ولا تقل له: أفّ كما عرفت.

وإن سلم فلا ينافي اشتراطه لغة كونه قياسًا، وقول منكر القياس به لأنه مفهوم، وقد بينا أنه أجمع فيه جهتان من أجلها اجتمع فيه الفريقان.

"ويكون" مفهوم الموافقة "قطعيًّا (١)، كالأمثلة" السَّابقة؛ للقطع بالتعليل بالمعنى، وأنه موجود في المسكوت.

"وظنيًّا (٢)، كقول الشافعي في كَفَّارة العَمْد واليمين الغموس" بوجوب الكفارة قياسًا على قتل الخَطَأ، وغير الغموس؛ لأنها إذا وجبت في أصغر الجِنَايَتَيْنِ وجبت في أكثرهما،


(١) فهو ما قطع فيه بِعِلِّيِّةِ المناط في محل النطق، وبوجوده في محل السكوت، كما في دلالة قوله تعالى: ﴿فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ﴾ على تحريم الضرب ونحوه، فإنا نقطع بعلية الإيذاء؛ لتحريم التأفيف المنطوق به، ونقطع أيضًا بوجود الإيذاء في الضرب المسكوت عنه، ودلالة قوله تعالى: ﴿وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ﴾ على تأديته لما دون القنطار، فإنا نقطع بغِلِّيَّةِ الأمانة لتأديته القنطار المنطوق به، ونقطع أيضًا بوجود ذلك المعنى في تأديته لما دون القنطار المسكوت عنه؛ فإن من يكون أمينًا على القنطار يرعاه، ويؤديه حيث طلب منه يكون أمينًا كذلك على ما دون القنطار قطعًا، ودلالة قوله تعالى: ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ﴾ على عدم تأديته لما فوق الدينار، فإنا نجزم بعلية الخيانة؛ لعدم تأدية الدينار المنطوق به، وبوجود ذلك المعنى في عدم تأدية ما فوق الدينار المسكوت عنه، فإِنَّ من يخون في الدينار يخون فيما فوقه بالقطع، وكدلالة قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا﴾ على تحريم إحراقها أو إتلافها بأي وجه من الوجوه؛ فإنا نجزم بعلية الإتلاف والتفويت؛ لتحريم الأكل المنطوق به، ونجزم أيضًا بوجود هذا المعنى في الإحراق المسكوت عنه.
(٢) فهو ما ظن فيه عِلِّيَّة المناط في محل النطق، أو ظن وجوده في محل السكوت، كما في قوله تعالى: ﴿وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ﴾ الآية؛ فإن هذا النص يدل بمنطوقه على وجوب الكفارة في القتل الخطأ، ويدل بمفهومه عند إمامنا الشافعي على وجوبها في القَتْل العمد المسكوت عنه حيث قال: إنما وجبت الكفارة في القتل الخطأ للزجر لا للخطأ؛ لأن الخَطَأَ عذر مسقط للحقوق، فلا يصلح أن يكون علة للوجوب، وإذا وجبت الكفارة في القتل الخطأ للزجر، فوجوبها في القتل العمد أولى؛ لأن الزجر في =

<<  <  ج: ص:  >  >>