ولا يخفَى وجه نقْلِ القياسِ إلى المَعْنى الاصطلاحي؛ على المعنى الرابع والخامس والسادس، أما على المعنى السابِعِ فوجه نقْله أن القياس يصاب به الحُكْم كما أشرنا إلى ذلك، والمعنى المشهور من كلِّ ذلك هي الثلاثةُ الأُوَل، لذلك اقتصَرَ عليها الكمالُ بْن الهمام ورجح المعْنَى الثالثَ منها، وهو كوْنُه مشتركًا معْنَوِيًا بيْن معنَيَيْن؛ استعلامِ القَدْر، والتسويةِ في مقدار، ونَسَبَ ذلك إلى الأكْثَر بقوله: ولم يزد الأكثر كـ "فخر الإسلام"، و"شمْسِ الأئمة السرخسِيِّ"، وحافظ الدين النَّسَفِيِّ وغيرِهم على أن معنى القياسِ لغَةً:"التَّقديرُ واستعلامُ القدْرِ، والتَّسْويةُ في مقدار، فَرَدَّ مفهوم التقدير مَعَ نَفْيِه كوْنَ القياسِ مُشْتَرَكًا لفظيًا فيهما، أو في المَجْمُوع، ونَفْيِه كوْنَه حقيقةً في التقدير، مجازًا في المساواة".
وقَوَّاه شارحه؛ بأن القياس باعتبار صدْقِ معناه الذي هو التقْدِيرُ عَلى معنَيَيْه؛ أعْنِي استعلام القدر والتسوية، من قبيل التواطُؤِ، والتَّواطُؤُ مقدَّم على كلٍّ من: الاشتراكِ اللَّفْظيِّ؛ كما هو الرأْيُ الأَوَّل، والمَجَاز، كما هو الرأْي الثاني، إذا أمكن، وقد أمكن وهو الراجح؛ لأن التواطُؤ ليس فيه تعدُّدُ وضْعٍ ولا احتياجٌ إلى قرينة؛ لأنَّه حقيقةٌ في كل أفراده بخلافِ المشتَرَكِ اللَّفْظِيِّ، فإنَّ فيه تعدُّدَ الوضْع والمعنْى والاحتياج إلى قرينة تُعَيِّن المراد من أفراده، وبخلاف المجاز، فإنَّه يحتاج ضرورةً إلى قرينةٍ لفَهمْ المعْنَى المراد مِن اللَّفْظ.
وَما لا يحتاج إلى شيْءٍ في فهْم معناه أولَى ممَّا يحتاج.
الْقِيَاسُ في اصْطِلَاحِ عُلَمَاءِ الشَّرْعِ:
تنوَّعت آراء الأصولِيِّينَ القائِلِينَ بالقياس في مسمَّى اسْمِ "القياس"، فذهب بعضُ الأصولِيِّين إلى أنَّه "فعْلُ المجتهدِ".
وذهب آخرون إلى أنه "حجَّةٌ إلهيَّةٌ"، وضعها الشارعُ لمعرفة حُكْمِه؛ فهو أمر موجودٌ في ذاته وليس فعْلًا لأحد؛ ولذلك يُقال: القياسُ مُظْهِرٌ لا مُثْبِتٌ، وبَرْهَن كلُّ صاحبِ رأْيٍ على ما ذَهَب إليه.
حُجَجُ الرَّأْي الأَوَّلِ:
استدلُّوا على أنه "فعْلٌ من أفعال المجتهد" بجميع التفريعات والاستعمالات؛ حيث