للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قال مُحِبُّ الدِّينِ الهنديُّ في "مُسَلَّمِ الثُّبُوت": إنَّه خبرٌ مشهورٌ يفيد الطمأنينة، وهو فوق ظَنِّ الآحَادِ؛ لأنَّه يقين بالمعنى الأَعَمِّ المذكور وَبِمِثْلِهِ يصحُّ إثباتُ الأصلِ.

وقد ورد في السنَّةِ الصَّحِيحَةِ الثَّابِتَةِ أن الصحابة - رضوان اللّهِ عليهم - قدِ اجتهدُوا في كثيرٍ من الأحْكَامِ في زمن النبيِّ ولم ينكر عليهم ذلك، فَمِنْ ذلك أنه أمرهم أنْ يُصَلُّوا العصر في بَنِي قُرَيْظَةَ فاجتهد بعضهم، وصلاها في الطريق وقالوا: لَمْ يُرِدْ مِنَّا التَّأْخِيرَ، وإنَّمَا أراد سرعَةَ النُّهوضِ، فنظروا إلى المعنى، وهؤلاء سلفُ أصحاب المَعَاني والقِيَاسِ، واجتهد البعض الثاني، وأخَّرُوها إلى بَنِي قُرَيْظَةَ فصلوها ليلًا فَنَظَرُوا إلى اللَّفْظِ، وهؤلاء سلفُ أهل الظَّاهِرِ، أيْضًا اجتهد الصحابيان اللَّذَانِ خرجا في سفرٍ فحَضَرَتِ الصَّلاةُ وليس معهما ماءٌ فصَلَّيَا، ثم وَجَدَا الماء في الوقت فأعاد أحدهما، ولم يُعِدِ الآخرُ فصوَّبَهُمَا النبي ، وقال لِلَّذِي لم يُعِدْ: "أصبتَ السنَّة، وأجزأَتْكَ صلاتُكَ" وقال للآخر: "لكَ الأجرُ مرَّتين".

ولما قاس مُجَزِّز المدْلِجِيُّ وقَافَ، وحكم بِقِيَافَتِهِ على أن أقدام زيدٍ وأُسَامَة ابنه بعضها من بعض، سُرَّ بذلك رَسولُ الله حَتَّى بَرِقَتْ أسَارِيرُ وَجْهِهِ من صِحَّةِ هذا القياس، وموافقته للحق، وكان زيدٌ أبيضَ وابنُه أسامة أسْودَ فألحق مُجَزِّزٌ المدْلِجِيُّ الفَرع بأصله ولم يَعْتَبِرْ وَصْفَي السَّوَادِ، والبياضِ: اللَّذَيْنِ لا تأثير لهما في الحُكْمِ.

أَدِلَّةُ الْإِجْمَاعِ:

لقد كان أصحابُ رسولِ االله يَجْتَهِدُونَ في النوازِلِ، كما كانوا يَقِيسُون بعضَ الأَحْكَامِ على بَعْضٍ فيما لم يجدوا فيه نصًّا من الكتابِ والسُّنَّةِ، وكانوا يعتبرُونَ النظيرَ بِنَظيرِهِ، وقد تواتَرَ ذلك عنهم، وإِنْ كانت تفاصيلُ أعمالهم آحادًا، فإِنَّ الْقَدْرَ المُشْتَرَكَ متواترٌ، والعادةُ قاضِيَةٌ في مثله بوجود القاطع بِحجِيَّتِهِ والعلم به، فَهذا استدلالٌ في الحقيقةِ بالقاطِع الَّذي كان عِنْدَهُمْ وعملهمِ شائعًا ذَائِعًا دليلٌ عليه، وقد شَاعَ بينهم الاحْتِجَاجُ به، والمباحَثَةُ والتَّرْجِيحُ فيه عند المعارَضَةِ بلا نكير من واحد منهم، والعادَةُ تَقْضِي بأن السكوت في مثله من الأصول العامة المُلْزِمَةِ لِلْعَمَلِ بِهَا، وهذا استدلال بنفس إجماعهم على الحُجِيَّةِ، فإنَّهُم عملوا بِهِ، واسْتَدلُّوا به من غير نَكِيرٍ.

فمن ذلك: عُدُولُ الصَّحابةِ - رضي الله تعالى عنهم - إلى رَأْيِ أبي بكرٍ الصدِّيق

<<  <  ج: ص:  >  >>