كما ظهرت مصنفاتُ هؤلاء الأئمَّة، وانتشرتْ في جميع الأَصْقَاعِ، فتقبَّلها النَّاسُ بالقَبُول التامِّ، واعترفوا لأهْلِها بعُلُوِّ المنزلة. ومن بين هؤلاء الذين شَهِدَ لهم القاصي والداني، بإمامَتهِ وفَضْلِه، وطُول بَاعِه في نَوَاحِي العِلْمِ المختَلِفَة، الشَّيخُ العلَّامةُ الإمام أَبو عَمْرِو بْنُ الحَاجِبِ. وإليك - أيُّها القارئُ الكريمُ - ترجمة هذا الإمام:
نَشْأَتُهُ:
نشأ ابن الحاجِب في بَيْتِ أبيهِ الَّذِي كان حاجِبًا للأَمير عزِّ الدين موسك الصلاحيِّ، ثم انتقل به والدُه إلى القاهِرة، حَيْثُ اشتغل بالقُرْآن الكريمِ فَحفِظَه، وأخذ بَعْض القراءاتِ عن الشاطبيِّ، وسمع منه "التيسير" و"الشاطبيَّة"، ثم قرأ بالسَّبْع على أبي الجود، وقرأ بطُرُقِ "المبهج" على الشِّهاب الغَزْنَوِيِّ، وتفقَّه على مَذْهَب الإمامِ مالك، وطلب الأُصُول فحصَّلها، وبرع فيها، وفي العربيَّة واشتهر بها، ودخل دمشق فسَمِعَ بها، ولزِمَ الاشتغال حتَّى ضرب به المثل. وما زال يَطْلُب العِلْم حتَّى سَادَ.
قال الذهبيُّ:"اشتغل أبو عمرٍو بالقاهِرة، وحفِظ القرْآن، وأخذَ بَعْض القِراءات عن الشاطبيِّ، وسمعَ مِنْه "التَّيْسِير"، وقرأ بطُرُق "المُبْهِج" على الشهابِ الغَزْنويِّ، وتلا بالسبع على أبي الجود، وسمع من أبي القاسمِ البوصيريِّ، وإسماعيل بْنِ ياسين، وبهاء الدِّين بْنِ عساكِرَ، وفاطمة بِنْتِ سعْدِ الْخَيْرِ، وطائِفة، وتفقَّه على أبي المنصور الأبياريِّ وغيره"(١).