للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولقد بوَّب الخطيب البَغدادِيّ في "كفايته" (١) بابًا فقال: باب ما جاء في التَّسْوية بين حكم كتاب الله - تعالى - وحكم سنة رسول الله في وجوب العَمَلِ، ولزوم التكليف، وَذَكَرَ الحديثين.

وقال الشافعي (٢) : وما سَنَّ رسول الله فيما ليس لله فيه نصّ حكم، فبحكم الله سَنَّة، وكذلك أخبرنا الله في قوله تعالى: ﴿وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (٥٢) صِرَاطِ اللَّهِ﴾ [سورة الشورى: الآية ٥٢] وقد سن رسول الله مع كتاب الله، وسن فيما ليس فيه بعينه نصّ كتاب، وكل ما سن فقد ألزمنا الله باتباعه، وجعل في اتباعه طاعته، وفي العُنُودِ عن اتباعها معصيته التي لم يعذر بها خَلْقًا، ولم يجعل له من اتباع سنن رسول الله مخرجًا.

وبهذا يتضح لنا حُجِّية السُّنة بأقسامها الثلاثة، فطاحت شبهة المعاندين.

الإجْمَاعُ

ثمَّ ثلَّثْنا بالكَلامِ عن الإجْمَاعِ، وتعريفه اللُّغوي، والاصطلاحي، وسوف نتكلم عن مبحثين.

المبحث الأول: فيما تتوقف عليه الحجِّيَّة للإجماع.

والمبحثُ الثاني: في إثْباتِ أن الإجماع حجة.

ومسالك هذا من: الكتاب، والسُّنَّةِ، والمعقول.

يُطْلَقُ الإجماع في اللُّغَة على معنَيَيْنِ: أحَدُهُمَا: الْعَزْم، يقال: أجْمَعْتُ المسير والأمر، وأجْمَعْتُ عليه، أيْ: عزمْت، فهو يتعدَّى بنَفْسِه وبالحرف، وقد جاء بهذا المعنى في الكتابِ والسنَّة، قال تعالى: ﴿فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ﴾ [سورة يونس: الآية ٧١] أي: اعْزِمُوا، وقال : "مَنْ لَمْ يُجْمِع الصِّيَامَ قَبْلَ الْفَجْرِ، فَلا صِيَامَ لَه، أيْ: لم يَعْزِمْ عَلَيْهِ فَيَنْويَهُ.

ثانيهما: الاتِّفاق، ومِنْه يُقالُ: أجْمَع القَوْمُ على كذا، إذا اتَّفقوا، قال في القاموس: "الإجْمَاع الاتِّفاق، والعَزْم على الأَمْر".

قال الغَزَالِيُّ وَالإِمَام الرَّازِيُّ وَالآمِدِيُّ وَالْعَضُدُ وغيرهم: الإجماعُ لغةً: يقال بالاِشْتراك اللَّفظيِّ على معنَيَيْن، أحدُهُما: الجَزْمُ على الشَّيْء والتَّصْمِيم عَليْه، قال اللَّهُ تعالى:


(١) الكفاية في علم الرواية ص ٨.
(٢) الرسالة ٨٨ - ٨٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>