يلاحِظُ الدارسُ لتاريخِ نشْأَة أصول الفقه أنَّه نَشَأَ مع عِلْم الفِقْهِ، وإنْ كان الفِقْهُ قد دُوَّن قبْلَه، كما هو مَعْلُوم؛ لأنه - حَتْمًا - حيث يكون فِقْهٌ، فلا بد من وجُود مِنْهاج للاستنباط جَنْبًا إلى جَنْب. وحيثُ كانَ المِنْهَاج، فلا محالة مِنْ أُصُول الفِقْه. وإذا كان استنباطُ الفِقْه قد ابْتَدَأ بَعْد الرَّسُول ﷺ أي: في عَصْر الصَّحابة، فإن الفقهاء من بَيْنِهِم كابْنِ مَسْعُود، وعليِّ بْنِ أَبِي طالبٍ، وابن الخطَّاب ما كَانُوا يقولون أقوالَهُم، ويعبِّرون عن آرائهم من غَيْر قَيْدٍ ولا ضَابِطٍ، فإذا سمع أحدٌ عليًّا - كرَّم الله وجْهَه - يقُول في عُقُوبة شَارِب الخَمْر:"إنَّه إذا شَرِبَ هَذَى وإذا هَذَى، افْتَرَى، وحدُّه حَدُّ المُفْتَرِين، فيجبُ حدُّ القذْف" فإن السامع يجد أن الإمامَ الجليلَ - كرَّم الله وجْهه - ينهج منهاح الحُكْم بالمآل، أو الحُكْمِ بسَدِّ الذرائع. كذلك قال عبد الله بنُ مَسْعُود في عِدَّة المُتوفَّى عنها زوجُها الحَامِلِ: إنَّ عِدَّتها بوضع الحَمْل، واستدلَّ على ما ذهب إلَيْه بقوْلهِ تعالى: ﴿وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ﴾ ﴿سورة الطلاق: الآية ٤]، ويقول في ذلك:"أشْهَدُ أن سورة النِّسَاء الصغْرى نزلَتْ بعد سورةِ النِّساء الكُبْرى" يقصد أن سورة "الطَّلاق" نزلت بعد سورة "البَقَرة"، وهو يشير إلى قاعدةِ مِنْ قواعدِ عِلْم الأُصُول، وهي:"أن المتأخِّر ينْسَخ المتقدِّم أو يخصِّصُه" وهو يلتزم بهذا منهاجًا أصوليًّا. إذنْ نستطيع أن نقرِّر - بلا شك - أن الصَّحابة ﵃ في اجتهادِهِمْ كانُوا يلتزمُون مناهِجَ، وإنْ لم يصرِّحوا في كل الأحْوال بها (١).
ومما لا شَكَّ فيه أن الصحابة - رضوانُ الله عليهم - لم يُحْدِثُوا هذا الأمْرَ دون