وأصل هذا التعريفِ للقاضِي أبي بَكْرٍ البَاقِلَّانيِّ وعبارته؛ على ما في "المحْصُول" و"الإحْكَام" و"البَحْر المُحيط" للزركشيِّ و"البُرْهَانِ" لإمام الحرمَيْن هي: "القياسُ حمْلُ معْلُومٍ عَلَى مَعْلُومٍ في إثْبَاتِ حُكْمٍ لَهُمَا أو نَفْيِهِ عَنْهما؛ بأَمْرٍ جَامِعٍ بيْنَهما منْ حُكْمٍ أو صفةٍ أو نَفيهِما عَنْه، هذا، وقد ذَكَرَ أمير بادشاه في "تَيْسِيرِ التَّحرير" أن هذا التعْريف ليْسَ هو لفْظَ القَاضِي بل معْناه؛ إذْ لفْظُه في تعريف "القياس": "حَمْلُ أَحدِ المَعْلُومَيْنِ علَى الآخَرِ في إيجَابِ بعْض الأَحْكَامِ لهُمَا أو إسْقَاطِه عنهما بأمْرٍ جامعٍ بينهما فيه أيِّ أمْرٍ كانَ منْ إثباتِ صفةٍ وحكْمٍ لهما أو نفْي ذلك عنهما"، ونلاحظ على كلا النقلَيْن أنه لا تنافِيَ بين التعريفَيْن المذكورَيْن، فالكلام على أحدهما يُعْتبر كلامًا على الآخَر.
٣ - وقال صَدْرُ الشَّرِيعَةِ في "التوضيح": القياسُ تعديةُ الحُكْمِ منَ الأَصْل إلى الفَرْع لِعِلَّةٍ متَّحدةٍ لا تدرك بمجرَّد فهمْ اللُّغَة.
٤ - وقال أبو منْصُورٍ الماتُرِيديُّ: القياسُ إبانةُ مثْلِ حُكْمِ أحَدِ المذكورين بمثْلِ علَّتِه في الآخر.
وقد أعْرَضنا عن شرْح هذه التعاريف؛ مخافةَ التطْويل والمَلَلِ.
ثَانِيًا: تَعْرِيفُ الْقِيَاسِ، بِنَاءً عَلَى أنَّهُ المُسَاوَاةُ في العِلَّةِ:
الرأْي الذَّاهِبُ إلَى أن القياسَ هو المساواةُ في العلَّة عرَّفوه بعباراتٍ مختلفةٍ نقتصر منْها بأربعةٍ، وهذا نصها:
١ - قال الآمِدِيُّ في "الإحكام": المُخْتار في حَدِّ القياس: أن يقال: إنَّه عبارةٌ عن الاستواء بيْن الفَرْع والأصْل في العلَّة المستنبطة من حُكْم الأَصْل.
٢ - وقال الكمال في "التحرير": وفي الاصطلاح: مساواةُ محلٍّ لآخَرَ في علَّة حكْمٍ له شرعيٍّ لا تُدْرَك من نصِّه بمجرَّد فَهْم اللُّغَة.
٣ - وقال ابن الحَاجِب في "المختصر": "وفي الاصْطِلَاحِ: مساواةُ فَرْعٍ لأَصْلٍ في علَّةِ حُكْمِهِ".
وتحقيقُ ذلك أن القياسَ منْ أدلَّة الأَحْكَامِ، فلا بُدَّ من حُكْمٍ مطلوبٍ به ولَهُ محلُّ ضرورة، والمقصودُ إثباتُه فيه لثبوته في محلٍّ آخَرَ يُقَاس هذا به، فكان الأوَّلُ فرْعًا، والثَّاني