أما إذا كانت ذاتًا مستقلّة، فهي زيادة قطعًا، وأن الأصح في مذهبنا في المحرم إذا قتل صيدًا، واختار من الخِصَال إخراج الطعام: أنه يفرقه على ثلاثة مساكين فصاعدًا؛ لأنه أمر بإعطائه لجمع في قوله تعالى: ﴿أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ﴾ [سورة المائدة: الآية ٩٥] وأقلّه ثلاثة، مع أنه ورد في كفارة الإتلاف في الحج إعطاؤها لجمع مقيد بكونهم ستة، لكل مسكين نصف صاع، ولم يحمل ذلك المطلق من الجمع على هذا المقيد، وما ذلك إلَّا لأن في حمله عليه زيادة أَجْرَامٍ، وهي ثلاثة مساكين، وإلا فلم يحمل.
والثانية: عرفت حكم ما أُطْلق في موضع وقُيِّد في آخر.
وأما ما أُطلق في مكان ثم قيد في مكانين بقيدين متضادين، فمن قال بالحمل لفظًا قال ببقاء المُطْلق على إطلاقه؛ إذ ليس التقييد بأحدهما أولى من الآخر.
ومن قال بالحَمْلِ قياسًا، حمله على ما حمله عليه أَوْلى، فإن لم يكن قياس رجع إلى أصل الإطلاق، وبهذا يندفع اعتراض الحنفيّة حيث يقولون: لا يشترط التتابع في قضاء رَمَضَان مع كونه ورد مُطْلقًا في قوله تعالى: ﴿فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾ [سورة البقرة: الآية ١٨٥] ولم يحمل على القتل، ولا على صوم الظِّهَار، وكذا صوم كَفَّارة اليمين لم يحمل على الصوم في كَفَّارة القتل والظهار، إذ أصخ المولين جواز التفريق فيه.
ولأنا نقول: هذا المحلّ قد يحاذيه أصلان، أعني صوم المُتْعَةِ، حيث نصّ فيه على التفريق، وصوم الظِّهَار حيث نصن فيه على التَّتابع، فلم يكن إلحاقه بأحدهما أولى من إلحاقه بالآخر، فتركناه على حاله، والكلام في مطلق له مقيد واحد.
فإن قلت: لم لا حملتم الإطلاق في قوله ﷺ في الغسلات من وُلُوغ الكلب: "إِحْدَاهُنَّ بِالتُّرَابِ" على المقيد في رواية من روى: "فَعَفِّرُوهُ الثَّامِنَة"؟
قلت: قال القَرَافي: لأنه قد روى أيضًا: "أولَاهُنَّ"، وهي تعارض الثامنة، فرجعنا إلى أصل الإطلاق.
وقال بعض المتأخرين على هذا: ينبغي انحصار الوجوب في الأولى والثامنة، ويتخير بينهما.
قلت: وهو ما نصّ عليه الشَّافعي ﵁ في "الأم" و"مختصر