الوارد في الوضوء؛ إذ يقول تعالى في الوضوء: ﴿وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ﴾ [سورة المائدة: الآية ٦] فقيد ذكر اليد بالمرافق وقال في التيمم: "وأيديكم منه"، فأطلق ذكر اليد في التيمم، ولم يقيده بالمَرَافِقِ، فاختلف هل يجب على المتيمّم أن يبلغ في مسح يده بالتراب إلى المرفق ردًّا إلى التقيد في غسل يديه بالماء إلى المرفق أم لا؟ لأجل أن الحَمْل على المقيد لا يجب، ومذهبنا الجديد: الصحيح أنه يجب المَسْحُ إلى المرافق، وفى قول قديم قوَّاه النَّووي إلى الكوعين فقط (١).
وقد أنكر أبو بكر الأبهري هذا المثال، وَأَوْمَأ إلى أن التمثيل الصحيح إنما يتصور باشتراط الإيمان في عِتْقِ المُظَاهر؛ لأن هذا إنما فيه زيادة صفة في الرقبة.
وأما الرقبة ففي الكَفَّارتين متساوية، وفي التيمم فيه زيادة عضو، وهو الذِّرَاع، وزيادة الذوات والأجْرَام بخلاف زيادة الصفة والنُّعوت.
قال المَاوَرْدِيّ: وهذا الذي أشار إليه يصير كمذهب ثالث في الحَمْلِ، فقوم يحملون، وقوم يمنعون، والأبهري يحمل إذا وقع زيادة صفة، وينكر الحمل إذا وقع بزيادةِ ذاتٍ مستقلّة بنفسها.
قلت: بل الأظهر أن الأبهري يدعي أن الذين يحملون إنما يحملون في زيادة الصِّفة، وليس مسألة التيمم منها، فإِذَن الحمل عنده وعند الحاملين إنما هو فيما لا يزيل الاسم، ولا يزيد عليه إلا وصفًا.
ويشهد لهذا: أن أصحابنا منعوا الحنفية كون التقييد زيادة على النص، ولا يتّجه منع كونه زيادة إلا عند كون الزيادة وصفًا.
(١) قال النووي في شرح المهذب ٢/ ٢٤٣: فمذهبنا المشهور أن التيمم ضربتان، ضربة للوجه، وضربة لليدين مع المرفقين، فإن حصل استيعاب الوجه واليدين بالضربتين وإلا وجبت الزيادة حتى يحصل الاستيعاب. وحكى أبو ثور وغيره قولًا للشافعي في القديم أنه يكفي مسح الوجه والكفين، وأنكر أبو حامد والماوردي وغيرهمَا هذا القول وقالوا: لم يذكره الشافعي في القديم. وهذا الإنكار فاسد؛ فإن أبا ثور من خواص أصحاب الشافعي وثقاتهم وأئمتهم؛ فنقله عنه مقبول، وإذا لم يوجد في القديم حمل على أنه سمعه منه مشافهة. وهذا القول وإن كان قديمًا مرجوحًا عند الأصحاب فهو القوي في الدليل، وهو الأقرب إلى ظاهر السنة الصحيحة.