وَأُجِيبَ: "لَكَاذِبُونَ فِي شَهَادَتِهِمْ"؛ وَهِيَ لَفْظِيَّةٌ.
"وَيَنْقَسِمُ إِلَى مَا يُعْلَمُ صِدْقُه، [وَإلَى مَا يُعْلَمُ كَذِبُهُ]، وَإِلَى مَا لَا يُعْلَمُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا:
وقيل: - وهو (١) الأظهر - معناه: الصدق، مطابقة الخبر لاعتقاد المخبر، وإن كان غير مُطَابق لما في الخارج، وكذبه عدمها، وإن طابق الواقع؛ "لقوله تعالى: ﴿وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ﴾ [المنافقون: ١] ". سَمَّاهم كاذبين في قولهم: "إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ" مع المطابقة للواقع؛ لأنهم لم يكونوا معتقدين.
"وأجيب": بأن المعنى: أن المنافقين "لكاذبون في شهادتهم"، لا في إخبارهم.
ولك أن تقول: الشهادة: إنشاء فكيف يكذبون فيها؟ فليكن المعنى: لكاذبون في إخبارهم عن أنفسهم أنهم يشهدون، فإنهم لا يَشْهَدون؛ إذ الشهادة لا بد معها من الاعتقاد، وهم لا يعتقدون.
وفيه بحث طويل ذكرناه في مكان آخر.
"وهي" - أي: المنازعة فيما نحن فيه - "لفظية"، ولا مُشَاحَّة في الاصطلاح.
وذهب الرَّاغب إلى أن الصدق: المُطَابقة مع الاعتقاد، فإن فقدا لم يتمخض صدقًا بل إما ألَّا يكون صدقًا، أو يوصف بالصدق والكذب بنظرين مختلفين إذا كان مطابقًا للخارج غير مطابق للاعتقاد؛ كقول المُنَافقين: "نَشْهَدُ إنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ".
اعلم أن المصنّف لما ذكر أن الخلاف لَفْظِيّ هوَّن المسألة، فلذلك لم يذكر دليله على المذهب المُخْتَار.
ومن الأدلة فيه قوله ﷺ: "مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا" لدلالته على انقسام الكذب إلى العَمْدِ وغيره، وقول ابن عباس: كذب نوف - حين قال نوف البكالي - ليس صاحب الخضر موسى بني إسرائيل.
وذكر أخي الإمام أبو حامد - تَغَمَّدَه الله برحمته - في "شرح التلخيص": قوله تعالى: ﴿وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا [أَنَّهُمْ كَانُوا كَاذِبِينَ]﴾ [سورة النحل: الآية ٣٩]، وهو حسن مذكر.
الشرح: "وينقسم" الخبر بالنَّظر إلى علم الصّدق، وكذبه أقسامًا ثلاثة: "إلى ما يعلم
(١) في ت، ح: فهو.