للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"قَالُوا: يَلْزَمُ تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ؛ لأَنَّ أَحَدَهُمَا حَصَّلَهَا.

وَأجِيبَ: بِأَنَّهُ إِمَّا أنْ تَحْصُل أُخْرَى أَوْ لَا تَحْصُلَ إِلَّا بِهِمَا.

وَمِنْهَا: أَلَّا تَتَأخَّرَ عَنْ حُكْمِ الأصْلِ.

لَنَا: لَوْ تَأَخَّرَتْ لثَبَتَ الحُكْمُ بِغَيْرِ بَاعِثٍ، وَإنْ قُدِّرَتْ أَمَارَةً. فَتَعْريفُ الْمُعَرَّفِ.

القرآن والوَطْء، ومسّ المصحف، والجلوس في المسجد، وعبوره للحَائِض إن لم تأمن التَّلويث، وكذا إن أمنت على وجه، وكذا للاسْتِمْتَاع بما بين السُّرَّةِ والرُّكبة على الصَّحيح (١) إلى غير ذلك من أحكام الحَيْضِ، وكالسَّرقة فإنها تناسب القطع زجرًا للسَّارق، حتى لا يعود ولغيره؛ ليتعظ فَيَرْتَدِعَ، وتناسب التغريم جَبْرًا لصاحب المال، وأمثلته تكثر.

الشرح: "قالوا: يلزم تحصيل الحَاصِل؛ لأن أحدهما" أي: أحد الحُكْمين "حصلها" أي: حصل الحِكْمَةَ المقصودة من الوصف، فيكون محصّلها من الحكم الثاني تحصيلًا للحاصل. وإنما قلنا: إِنه حصّلها؛ لأنه لو لم يحصلها لم يكن مناسبًا، وهو خلاف الفرض.

"وأجيب: بأنه إنما تحصل" بذلك الوَصْف حكمة "أخرى، أو" قد تكون الحكمة المقصودة من الحكمين "لا تحصل إلا بهما"؛ لأن الوصف إِذا ناسب حكمين لم تحصل المصلحة إلا بهما، وما حصله أحدهما يكون جزءها.

"ومنها" أي: ومن شروط علّة الأصل "ألا تتأخر عن حكم الأصل"، سواء أفسرت بـ "البَاعِثِ"، أم المعرّف، أي: لا يكون ثبوتها متأخرًا عن ثبوت حكم الأصل، كما يقال - فيما أصابه عَرَق الكلب -: أصابه عَرَقُ حيوان نَجِس، فيكون نجسًا كَلُعَابِهِ، فيمتنع كون عرق الكلب نجسًا، فيقال: لأنه مستقذرٌ. فإن استقذاره إِنما يحصل بعد الحكم بنجاسته، وقد خالف قوم في هذا الشرط.

الشرح: "لنا: لو تأخرت" العلّة عن الحكم "لثبت الحكم بغير باعث" على تقدير تفسيرها بـ "الباعث"، وقد فرضنا تأخّرها عن الحكم، وهو محال، "وإن قدر" أنّ العلة "أمارة" لا باعث، "فتعريف للمعرف"؛ لأنّ المفروض معرفة الحكم قبل ثبوت علَّته.


(١) في أ: على الصحيح: وكذا محل المشتراة.

<<  <  ج: ص:  >  >>