الأولى: المعدول عن سَنَنِ القياس هو الخارج عن المعنى، فلا يَنْطَبِق إلا على ما خرج عن المعنى، لا لمعنى، فيخرج عنه شيئان:
أحدهما: ما شرع ابتداء لا لمعنى، فإنه لم يدخل حتى يقال: خرج.
والثاني: ما استثني من معقول المَعْنَى لمعنى، كالعَرَايَا استثنيت من الرّبَوِيّات لحاجة الفقراء، وفي تسمية كل من هذين الشَّيئين بـ"المعدول به عن سَنَنِ القياس" تجوز، وبه صرح الغزالي في "المُسْتَصْفَى".
الثانية: قولهم: "رُخَصُ المسافر المعللة بدفع المشقّة لا يتأتى فيها القياس لعدم النظير" - ممنوع؛ فقد يوجد النظير في الحَمَّالين وغيرهم من ذوي المَشَقَّات التي هي أظهر من المسافر، لا سيّما المسافر ذو الرَّفَاهية.
فإن قلت: فلم لا يتأتى القياس فيها؟.
قلت: لأن المشقّة حكمة، والسفر مظنة، والتعليل إِنما يكون بالمَظَانّ؛ لانضباطها دون الحكم، كما ستعرف إن شاء الله تعالى.
الثالثة: لا يقال: سيأتي أن القياس يجري في الحدود والكَفَّارات، والرُّخَص والتقديرات، وهو منافٍ لهذا؛ لأنّ المراد هنا مقادير الحدود والكَفّارات، فلا يجرى القياس فيها، وإن جرى في أصل الحدود.
الرابعة: ما شرع مستثنى مقتطعًا عن القواعد العَامة، ولكنه معقول المعنى، صريح كلام المصنف: أنه لا يقاس عليه، وهو ما ذهب إِليه بعض الحنفية، والذي عليه جمهور أصحابنا وجمهور الحَنَفِيّة أنه يجوز القياس عليه، والحنفية لا يسمونه - والحالة هذه - معدولًا به عن القياس.
وقال محمد بن شُجَاع [الثلجي](١) من الحنفيّة: إن ثبت المستثنى بدليل قطعي جاز القياس عليه، وإلا فلا.