للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المتعبَّد بتلاوته، المُتَحدَّى بأقْصَرِ سُورةٍ مِنْه، المبدوء بسورةِ الفاتِحَةِ، المَخْتُوم بِسُورة النَّاسِ، الَّذِي صَح سَنَدُه، وثَبَتَ تواتُره، ووافَق العربيَّة. وذهب المحقِّقُون من أهْل العِلْمِ إلى أنَّ القرآنَ عَلَمُ شَحصٍ مدْلُولُه وعَلَمِيَّتُه باعتبار وضْعِه لِلَّفْظِ المخْصُوصِ الَّذِي يَخْتَلِفُ باخْتلافِ المتلفظين، وعلى هذا فما ذَكَره أهْل العِلْم مِنْ تَعْرِيف القُرْآن لَيْسَ تَعْرِيفًا حقيقيًّا؛ لأنَّ التعْرِيف الحقيقيَّ لا يكونُ إلا للأمُور الكلَيَّة، وإنَّما أرادُوا بِتَعْرِيفه تمَيُّزه عمَّا عَدَاه مِمَّا لا يُسمَّى باسْمِه كالتوراةِ والإنْجِيلِ، والأحادِيثِ القُدُسِيَّة، وقد أجمعَ المُسْلِمُونَ قَاطِبَةً على أنَّه المَقْرُوءُ في جميعِ الأقطارِ، المسموعُ بآذَانِنا، المحفوظُ في صُدُور الحافِظِينَ له، وأنَّه كلامُ الله - تعالى - وأنَّه لا يَأْتيه الباطلُ مِنْ بَيْن يَدَيْه، ولا مِنْ خَلْفه، تنزيلٌ من حَكِيمٍ حَمِيدٍ.

حُجِّيَّتُهُ:

لا خلافَ بَيْن عُلَماء المُسْلِمِين قاطبةً أن القرآن الكَرِيم هو المَصْدَر الأوَّل للتَّشْريع الإسلاميِّ، وهو كُلِّيَّةُ الشَّرِيعَةِ وعُمْدَتُها، فمريدُ الوُصُولِ إلى حقيقةِ الدِّين وأصولِ الشريعةِ يَجِبُ عَلَيْه أن يجعل القرآنَ بمَنْزلة القُطْب الذي تدُور عَلَيْه جميعُ الأَدِلَّة.

والبُرْهانُ عَلَى أن القُرْآن حجَّة على النَّاس، وأنَّ أحكامه قانونٌ واجبٌ اتِّباعه أنه من عِنْد الله، وأنَّه نُقِل إلَيْهِم عن المَوْلَى ﷿ بطريقٍ قطعيِّ الثبوت، لا ريْبَ فيه، وآيةُ دلك إعْجَازُه النَّاسَ على أنْ يَأْتُوا بِمِثْلِهِ، وقد استكملَ جميعَ عناصِرِ الإعْجَاز، فقد توافر فيه التحدِّي به، ووُجِدَ المقتضي لمَنْ تُحُدُّوا له أنْ يُعَارِضُوه، وانتفَى المَانِعُ لهم، ومع ذلك لم يَسْتَطِيعُوا.

أما التحَدِّي فإن رسُولَ الله لمَّا قال للنَّاس: إنِّي رسولُ الله إلَيْكُم، وبُرْهَانِي على أنِّي رسولُ الله هذا القُرْآنُ الذي أتْلُوه عَلَيْكُم، أُوحِيَ إليَّ من عند الله، أنْكَرُوا عَلَيْه دَعْوَاه، وبَطَشُوا به، فَقَال لَهُمْ: إنْ كُنْتُم فِي شَكٍّ، وتبادَرَ إلى عُقُولكم أنَّه مِنْ صُنْعِ البشرِ فَأْتُوا بِمِثْلِهِ فَعَجَزُوا وما استطاعوا، ثمَّ تَحَدَّاهُم أنْ يأتوا بعَشْر سُوَر من مثله، فما قدَرُوا قال تعالى ﴿أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ﴾ [سورة هود: الآية ١٣ - ١٤] فما قَدَرُوا وتحدَّاهم أنْ يَأْتُوا بسُورَةٍ مِنْه، وطَلَب المُعَارَضَة، فقال لَهُمْ: ﴿أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ﴾ [سورة يونس: الآية ٣٨] ثمَّ دعاهُم إلى الاستعانة بغَيْرهم، فما قدَرُوا، فقال جلَّ ذِكْرُه: ﴿قُلْ: لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ

<<  <  ج: ص:  >  >>