للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأُجِيبَ: بِأَنَّ الْمَعْنَى افْتَرَى أَوْ لَمْ يَفْتَرِ، فَيَكُونُ مَجْنُونًا؛ لِأَنَّ الْمَجْنُونَ لَا افْتِرَاءَ لَه، سَوَاءٌ أَقصَدَ أَوْ لَمْ يَقْصِدْ لِلْجُنُونِ.

قَالُوا: قَالَتْ عَائِشَةُ : "مَا كَذَبَ وَلكِنَّهُ وَهِمَ".

وَأُجِيبَ بِتَأْوِيلِ: "مَا كَذَبَ عَمْدًا.

وَقِيلَ: إِنْ كَانَ مُعْتَقِدًا فَصِدْقٌ، وَإِلَّا فَكَذِبٌ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ﴾ [المنافقون: ١].

افتراءَ له"، فلا يكون ما ذكره إخبارًا - وإن اتَّصف بصفة الإخبار كما في كلام السَّاهي والنائم، أو يكون المعنى "أقصد" الإخبار، "أو لم يقصد، للجنون" فلا يكون ما أتى به خبرًا، لعدم القَصْد الذي هو شرط الإخبار.

والحاصل: أن الافتراء أخصّ من الكذب، ومُقَابله قد يكون كذبًا، وإن سلم فقد لا يكون خبرًا.

"قالوا": في "الصَّحيحين": "قالت عائشة: "ما كذب" - يعني عبد الله بن عمر - إذ روى أن الميّت ليعذّب ببكاء أهْلِهِ "ولكنه وهم"" إنما قال رسول الله : "إِنَّ اللَّهَ لَيَزِيدُ الكَافِرَ عَذَابًا بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ" (١).

فالموهوم واسطة بين الصادق والكاذب.

"وأجيب: بتأويل" قولها: ما كذب على أنه "ما كذب عمدًا. فلا يكون الموهم مقابلًا للكذب المطلق، بل الكذب المقيّد بالعمدية.

الشرح: "وقيل": لَا وَاسِطَةَ بين الصِّدق والكذب (٢)، لكن [لا] (٣) نعني المذهب الأول، بل "إن كان" المخبر بالوَاقِعِ "معتقدًا" لصدق ما أخبر به، وقد طابق "فصدق، وإلا فكذب"، سواء كان غير مطابق مع اعْتِقَادِ المطابقة، أو اعتقاد عدمها، أو لا اعتقاد رأسًا، أو مطابقًا ولا اعتقاد لشكّ أو غيره - هذا هو معنى هذا القول على ما فهم الشُرَّاحُ.


(١) أخرجه البخاري ٣/ ١٨٠ في الجنائز: باب قول النبي "يعذب الميت ببعض بكاء أهله عليه" (١٢٨٦)، وأخرجه مسلم ٢/ ٦٤٠ في الجنائز: باب الميت يعذب ببكاء أهله عليه (٢٢/ ٩٢٨).
(٢) وإلى هذا ذهب النظام، ينظر: "إرشاد الفحول" ٤٤ - ٤٥.
(٣) سقط في ح.

<<  <  ج: ص:  >  >>