للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وصلت للقاضي "تاج الدين" فامتنع. فآل الأمر إِلى عزل القاضي" (١).

وقال في موضع آخر: "لما ولي أمير على نيابة السلطنة بالديار المصرية قرر الشيخ سراج الدين البلقيني في قضاء دمشق وعزل تاج الدين السبكي، وأخرج بهاء الدين (٢) إِلى دمشق ليدعي عليه بما في جهته أيام مباشرة أبيه وأخيه، فعقد لهم مجلس، فحكم ابن خطيب الجبل باعتقال تاج الدين، فاعتقل بقلعة دمشق وهرب أخوه، فاختفى عند التاج الملكي قبل أن يسلم، وكان يومئذ بـ "دمشق " كاتبًا نصرانيًا" (٣).

وهذا سبب ذكره ابن حجر، ولا يعرف باقي أسباب المحنة، إِلا أن ما فهمه ذلك المستشرق ليس بصحيح، فقد عرف عن تاج الدين ترفعه وصلابته وشدته على أولي الأمر، ولا أدل على ذلك ممَّا أودعه كتابه "معيد النعم ومبيد النقم".

ويذكر الشعراني المتوفى سنة ٩٧٣ في محنة التاج: أن ذلك لاتهامه بالزندقة، وما يتبعها. قال في "الأجوبة المرضية عن أئمة الفقهاء والصوفية": "إِن أهل زمانه رموه بالكفر واستحلال شرب الخمر والزنى، وأنه كان يلبس الغيار، ويشد الزنار بالليل، ويخلعهما بالنهار، وتحزبوا عليه، وأتوا به مقيدًا مغلولًا إِلى مصر، وجاء معه خلائق من الشام يشهدون عليه، ثُمَّ تداركه اللطف على يد الشيخ جمال الدين الإِسنوي" (٤).

على أن التاج قد وقعت له أكثر من محنة، فأولاها كان سنة ٧٦٣ هـ، وفي هذه ولي أخوه البهاء السبكي قضاء القضاة مكانه، وولي هو وظائف أخيه في مصر، ومكث البهاء في هذا المنصب ثمانية أشهر (٥).

وليس ما قاسى القاضي تاج الدين في القضاء بمستغرب في دولة السادة الأتراك والشراكسة، فلقد ضج القضاة من تدخل رجال الدولة في عملهم تدخلًا يمنعهم من إِحقاق الحق، ومن هذا القبيل ما لاقاه ابن حجر العسقلاني، وبين ولايتهما سبعون سنة أو ما


(١) الدرر الكامنة ٢/ ص ٤٢٦، وما بعدها.
(٢) هو أخو تاج الدين.
(٣) الدرر ٤/ ٥١.
(٤) مقدمة كتاب "معيد النعم ومبيد النقم" نقلًا عن "جلاء العينين في محاكمة الأحمدية" ص ١٦، وقارن الأعلام ٤/ ١٨٤.
(٥) ابن كثير: البداية والنهاية ١٤/ ٢٩٥، ١٤/ ٣١٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>