للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَدَلِيلُ الْعَمَلِ بِالسَّبْرِ وَتَخْرِيجِ الْمَنَاطِ وَغَيْرِهِمَا؛ أَنَّهُ لا بُدَّ مِنْ عِلَّةِ؛ لإِجْمَاعِ الْفُقَهَاءِ عَلَى ذَلِكَ.

ثم يحتاج المستدل إِلى إِثبات مرجّح يترجّح به سَبْره على سَبْر المعترض، بأن يبين أنّ سبره موافق لتعدية الحكم، وسبر المعترض قاصر، وإليه أشار بقوّله: "ويترجّح سبر المستدلّ بموافقته للتعدية"، وهو بناء على أنّ المتعدية أَرْجَح من القاصرة، وهو المختار، وليس للمستدلّ أن يبين المُنَاسبة بين المستبقى والحكم؛ لأنه - حينئذٍ - انتقال من السّبر إلى المناسبة.

الشرح: "ودليل العمل بالسّبر، وتخريج المناط وغيرهما: أنه لا بد من علّة لإِجماع الفقهاء على ذلك".

وإنما خصّ بعض الفقهاء بالذِّكْر؛ لأنهم يجعلون اقترانها بالعلّة بطريق اللّطف، وغيرهم كالمعتزلة يجعلها بطريق الوجوب، فانتهض إِجماع الأمة الفقهاء بما ذكرناه، وغيرهما بطريق أولى، وهذا ضعيف؛ فإِنا لا نسلم أن كل حكم معلل، ويجوز ورود ما لا معنى له، فللرب - تعالى - أن يفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد، وقد تقدمت الإِشارة إلى هذا في البرهان الذي أسلفناه على أن أفعاله - تعالى - لا تعلل، وهذا مقرر في أصول الدِّيَانات.

ورأيت شيخ الإِسلام عز الدين بن عبد السَّلام قال في أجوبة مسائل سئل عنها - ونقلها من خطّ تلميذه الشيخ تاج الدين بن الفرْكَاح (١) - ما نصّه: الله - سبحانه - يفعل ما يشاء من غير تَقْيِيدٍ بحكمة ولا علّة؛ فإِن الحكم في العلل يعود إلى مصالح العباد، ولا يجب عليه إِصلاح، ولا يتضيّق عليه تصرفه بِحَجْرِ حاجر، ولا منع مانع، وما أجهل من يعتقد أن الله


(١) عبد الرحمن بن سباع بن ضياء، العلامة الإمام، مفتي الإسلام، تاج الدين، أبو محمد، الفزاري، البدري، المصري الأصل، الدمشقي، الفركاح، ولد في ربيع الأول سنة ٦٢٤ هـ. وتفقه في صغره على الشيخين: ابن الصلاح وابن عبد السلام، وكانت الفتاوي تأتيه من الأقطار. قال الذهبي: فقيه الشام، درس وناظر وصنف وانتهت إليه رئاسة المذهب كما انتهت إلى ولده برهان الدين، وكان من أذكياء العلم، وممن بلغ رتبة الاجتهاد. من مصنفاته: "الإقليد لدرء التقليد". توفي سنة ٦٩٥ هـ. ينظر: شذرات الذهب ٥/ ٤١٣، وطبقات الأسنوي (٣٦٦)، وفوات الوفيات ١/ ٢٥٠، وطبقات السبكي ٥/ ٦٠، وطبقات ابن قاضي شهبة ٢/ ١٧٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>