أسند السجود إِلى من ذكره، وهو مشترك بين وضع الجَبْهة والخضوع، وأراد بسجود النَّاس وضع الجَبْهَة، وبسجود غيرهم الخضوع.
والثانية: قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ﴾ [سورة الأحزاب: الآية ٥٦]، "وهي من الله رحمة، ومن الملائكة استغفار"، وهما - أعني الرحمة والاستغفار - مفهومان متغايران، وقد أطلق عليهما اللَّفظ الواحد دفعة واحدة.
وقد وقع في هذا المختصر كما ترى: أن الصلاة من الله تعالى الرحمة، وكذلك وقع في غيره.
والصحيح أنه منه - تعالى - مغفرة، وهي في اللُّغة: الدعاء، وهو مُحَال في حقّه - تعالى - فحملت على المغفرة، ولا يمكن حملها على الرحمة؛ لأن الله - تعالى - قال: ﴿أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ﴾ [سورة البقرة: الآية ١٥٧].
وعَطْفُ الرحمةِ على الصلاة صريح في تغايرهما؛ ولأن الرحمة رقّة القلب، وهي مستحيلة في حقه - تعالى - أيضًا، فمن فسَّر الصلاة بـ "الرحمة" فرارًا من تفسيرها بالدعاء كان كمن فَسَّر قوله تعالى: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾ [سورة طه: الآية ٥]، بـ "جلس"، فإِنه فَسَّر ما ظاهره محال بالمحال.
"وأجيب: بأن السُّجود: الخضوع"، وهو مشترك بين الجميع، "والصَّلاة: الاعتناء بإِظهار الشرف" شرف النَّبيّ ﷺ، فكان متواطئًا لا مشتركًا، فهذا جواب.
"أو بتقدير خبر" في الآية الثَّانية تقديره: إِن الله يصلي وملائكته يصلون، "أو "تقدير "فعل" في الآية الأولى تقديره: ويسجد له من في الأرض، ويسجد له الجبال، وهكذا، وعلى هذا فاللَّفظ مكرر، وقد أريد به في كلّ مرة معنى، فاين اللَّفظ الواحد المستعمل في معنيين؟