للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السَاحِليَّة، حتَّى يَبْغَتَ المَغُول، وقد نَجَحَتْ مفاوضاته برغمْ ميْل بَعْض الصليبيين إلى محالَفَة المَغُول.

وقد وَصَل قُطُز إلى "بيسان" (١) في سُهُولة وسُرْعَة.

ثمَّ كانَتْ "عَيْنُ جالُوت" (٢)، وذلِكَ في يَوْم الجُمُعة الخامس والعشرين من رمضان سنة ثمان وخمسين وستمائة (٣)، وفيها أعز اللهُ الإسلام، ونَصَرَ المُسْلِمِين بعد أن دارَتْ رحَى الحَرْب، وكان قُطُز يصيح صَيْحَتَه الَّتي كتَبَها لَهُ التَاريخُ: "واإسْلاماه"، ويدْعُو ربَّه: "يأ الله! انصر عَبْدك قُطُز علَى التَّتَار"، فأنَالَهُ اللهُ النَّصْر، وقَطَعَ دابِرَ القَوْم الَّذِين ظلمُوا، والحمدُ للّه رب العالمِينَ.

وبذلك انْكَسَرَتْ فلول التَّتَار، واندحَرَتْ هجماتُهم بَعْدَ أن أذاقُوا البِلادَ الإسْلاميَّة الرُّعْبَ والخَوْفَ، فجاءتهم الزلْزَلَة، وهزَمَهم اللهُ بَعْد أن كَانُوا لا يُغْلَبُون.

وفي نشْوَةِ هذا النَّصْر العَظِيمِ قُتِلَ السُّلطانُ قُطُز، وأقام بيبرس نَفْسَه مكانه، قال ابن شاهين الملطيُّ (٤): " .. ومات قتيلًا بَعْد عَوْدِه، اغتيل قَبْل دخُوله القاهِرَة" وأما بيبرس البندقداريُّ، الملكُ الظَّاهرُ ركنُ الدِّين، أبو الفَتْح فـ "كان ملكًا شهمًا جليلًا … تَسَلْطَن في يَوْمِ قَتْلِ المظفر قُطُز سنة ثمان وخمسين وستمائة، ومات في يوم الخميس سابعَ عَشَر محرَّم سنة ست وسبعين وستمائة، فكانَتْ مدَّته ثمان عشرة سنةً تزيدُ يَسيرًا" (٥).

ولأنَّ الظَّاهر بيبرس كانَ أحَسَّ أن النَّاس حانِقُون عَلَيْه بِسَبَب ما أُشِيع من قَتْلِه المَلِك المظفَّر قُطُز، فقد أراد أن يُزِيلَ عَنْه هذهِ السُّبَّه، فعمد إلى الخلافة العباسية، فأعادَهَا إلى الوُجُود سنة ٦٥٩ هـ، بَعْد أنْ أزاحَها المَغُول بإسْقَاطهم إيَّاها في بَغْداد سنة ٦٥٦ هـ.

قال ابن إياس: " … ولو لم يكنْ من أفعاله الحَسَنة سِوَى ردِّ الخِلافة لبَنِي العبَّاس


(١) مدينة بالأردن بالغور الشامي. ينظر: مراصد الاطلاع ١/ ٢٤١.
(٢) هي بلدة لطيفة بين نابلس وبيسان من أعمال فلسطين، إليها انتهى عسكر المغول، فلقيهم بها البندقداري فكسرهم، وكان ذلك انتهاء فتوحهم. ينظر: مراصد الاطلاع ٢/ ٩٧٧.
(٣) ابن دقماق: الجوهر الثمين ٢/ ٦٠ - ٦٣، ابن تغري بردي: النجوم الزاهرة ٧/ ٧٨ - ٨٠، ابن إياس: بدائع الزهور ١/ ٣٠٦.
(٤) نزهة الأساطين ص ٧٣.
(٥) المصدر السابق ٧٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>