للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الجُيُوش التَّتريَّة، وهي أن المغوليَّ يدخل القرية من القُرى وبها جمع كثير من الناس، فلا يزالُ يقتلُهم واحدًا بعْد واحدٍ، ولا يتجاسرُ أحدٌ أنْ يمدَّ يده إلى ذلك الفَارِسِ (١)، .. "وإنَّ إنسانًا مِنْهم أخَذَ رَجُلًا، ولمْ يكُنْ مع التتريِّ ما يقتله به، فقال له: ضعْ رأْسَكَ عَلَى الأَرْضِ ولا تَبْرَحْ، فوضَع رأْسَه على الأرْض، ومضى التتريُّ فأحْضَرَ سَيْفًا وقَتَله به" (٢).

لقد أضْمَرَ هولاكو الدَّمَارَ لِبِلاد الإسْلام، "فعزَمَ على السَّيْر نحو الشَّام، فزحَفَ شمالًا، وأعمل السَّيْف في سكانِ المَوْصلِ وحَرَّانَ والرُّهَا، ثمَّ أرْسَل هولاكو إلى ملوك الأيُّوبيِّين بالشامِ يتوعَّدهم ويهدِّدهم بالفناء التَّامِّ إذَا هُمْ لم يمهِّدوا لزحْفِهِ بالإسْرع إلى طاعتِهِ، وانتشر الذُّعْرُ بالبلاد الشاميَّة والمصريَّة كذلك. وجاء هولاكو، فاسْتَولى على حلب، ثم دمشق وغيرهما من البلاد الشاميَّة الواقعة بينهما، وبعث إلى السُّلْطان قُطُز سفارةً تحْمِل الوعيد والتَّهْدِيد، وتَطْلُب الطَّاعة المُطْلَقَة، وأجابَ قُطُز الخُوَارِزْمِيُ الأصْلِ، إجابةً غَيْرَ منتظرةٍ؛ إذْ قتَلَ السُّفَرَاءَ المغُولَ انتقامًا يائسًا لما أحْدثَه جنكيز خان بالدَّوْلَة الخُوَارِزْمِيَّةِ .. " (٣).

وتتوالَى الأحداث، فينادي السُّلطانُ قُطُز بالقتالِ، ويَرْفع راية الجِهَاد في سَبِيل اللّه، فيجيبه خلائق، ثمَّ أرْسَل طلائِعَه من القاهرة بقيادة الأمير بيبرس البندقداريِّ الذي يزْحَف - بِدَوْره - إلى قرْب غَزَّة، فيصدُّ طلائع المَغُول، ثم لَحق قُطُز بطلائعه السابِقَة، وتفاوَضَ مع الصليبيين الذين كانوا قد احْتَلُّوا أماكن منَ الشَّام، وذلِكَ لِيَسْمَحُوا له باختراق الأراضي


(١) ما أشبه الليلة بالبارحة؛ فما يحدث الآن في "البُوسنة والهَرْسَك" ما هو إلا أثَرٌ جِدُّ شبيهٍ بما كان منَ المَغُول والصليبيِّين، فقد تحالف أعداء الأمْسِ، على هدمِ الإسلامِ؛ فالتاريخُ يعيدُ نَفْسَه، وْ ﴿وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ﴾، وقادة الغرب يصيحون: دمِّروا الإسلام، أبيدوا أهله، وقد تحقَّق قوله : "تَداعى عليكم الأُممُ كما تداعى الأكلَةُ على قصْعَتِها … الحديث" نعم: أصبحنا في ذيل الأمم، فدم المسلم أنجس من دم بُرْغوث، وعرضُهُ أهونُ من عِرْض الحيوان، فكم من مستغيثةٍ ولا معْتصِم:
وآلمني وآلَمَ كُلَّ حُرٍّ … سُؤالُ الدَّهْرِ أينَ المُسْلِمُونا
وقد أصبح جليًّا عند كل من له أدنى نظرٍ أن العالم يكيلُ بمكيالين، خاصَّة بعد ظهور ما يسمَّى بـ "النظام العالميِّ الجديد"؟! فهل يَعِي المُسْلِمُون الدرْسَ؟! أم نظل نصرُخُ: واإسلاماه!
(٢) الكامل: (١٠/ ٣٩٩).
(٣) د. إبراهيم أحمد العدوي: تاريخ العالم الإسلامي ص ٢٢٣، ط. جامعة القاهرة ١٩٨٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>