للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والمسلمين، وقد نَجَحَتْ دعوتُه في اسْتِقْطاب كثيرٍ من المُساعدات والإمْدادات البَشرية والحَرْبيَّة والمادِّيَّة، ثمَّ اجتمع كلُّ هذا الحَشْد في جزيرة "رُودِسَ" (١) تمهيدًا لاختيار أصْلَحَ نقْطَة يُمْكِنُهم من خلالها تَوْجِيهُ ضَرْبةٍ قاصمةٍ لبلادِ الإسْلام، ووقع اخْتيارُهُمْ على ثغر الإسكندرية، ولمَّا كانَت دَوْلَةُ المماليكِ تعانِي خَللًا واضِحًا، فقد لاءَمَتْ هذهِ الظُّروفُ هوى الصليبيِّين، فَتَمكَنوا من إنْزال قوَّاتهم على شاطئ الإسكندرية، فاحتلُّوها في يوم الجمعة العاشِر من أكتوبر من السَّنة ذاتها، وانسابَتْ قوَّاتُهم في شوارع المدينة يُحرِّقون المَساجدَ ويُخَرِّبُون الخاناتِ، ويُدمِّرُون المنازلَ، ويعتدُون على كل من صادفهم من النِّساءِ والأطْفالِ والشُيوخ، ويَنْهَبُون كل ما وصَلَت إليهِ أيْديهِمْ مِن بَضائِعَ وأمْوَالٍ (٢).

وهكذا قَضَى الصَّلِيبيُّون في الإسْكَنْدرية نَحْوًا مِن ثَلاثَةِ أيَّامٍ كانَتْ من أسْود الأيَّام في تاريخِ الثَّغْر، ولم يُغادِروها إلى سُفُنِهم إلَّا بَعْد أن أحَسُّوا بِقُرْب جيوشِ المَماليك الَّتي أسْرَعَتْ من القاهِرَة لإنْقَاذ الإسْكندرية، ويقالُ: إن السُّفُن الصَّليبيَّة حَمَلَت مَعَها عِنْدَ رَحِيلها خَمْسَة آلافِ أسِيرٍ "منهم المُسْلِم والمُسْلِمَةُ واليَهوديُّ واليهوديَّةُ والنصرانيُّ والنصرانيَّةُ … " (٣).

وبَعْد، فَمِن خِلالِ هذِه الجَوْلَة تَبيَّن لنا أن الحالة السِّياسِية لِهذهِ الفَتْرة كانَتْ غَيْر مُسْتَقِرَّة، ولَمْ يَكُن الأمْرُ في الشَّام - التبعية - أحْسَنَ حالًا مِمَّا كانَتْ تمرّ بِهِ مِصْر، فَكان لَهُ نَصِيبٌ مِن تِلْكَ الفَوْضى الَّتي عَمَّت بِلادَ الإسْلام.

ونَكْتَفِي بِهذا القَدْر مِنْ بَيان حالَةِ العَصْر السِّياسيَّة، والَّتِي صوَّرت الأحداث الَّتي أثَّرت في التَّاج السُّبْكيِّ، وتقلَّب فيها.


(١) قال القاضي عياض: هو بضم أوله، وغيره يقول بفتحها، والدال مكسورة باتفاق، وكلهم قالوا بسين مهملة، وفي كتاب أبي داود من طريق الرَّمْليِّ: بالشين المعجمة، وهي جزيرة ببلاد الروم، تقابل الإسكندرية. ينظر: مراصد الاطلاع ٢/ ٦٤٠.
(٢) د. سعيد عبد الفتاح عاشور: العصر المماليكي ص ١٣٨.
(٣) المصدر السابق نقلًا عن المقريزي: السلوك.

<<  <  ج: ص:  >  >>