قَالُوا: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ﴾ [سورة النساء: الآية ٢٨]، ﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾ [سورة البقرة: الآية ١٨٥].
قُلْنَا: إِنْ سُلِّمَ عُمُومٌ فَسِيَاقُهَا لِلْمَآلِ فِي تَخْفِيفِ الْحِسَابِ وَتَكْثِيرِ الثَّوَابِ، أَوْ تَسْمِيَةٌ لِلشَّيْءَ بِعَاقِبَتِهِ مِثْلُ: [الوافر]
لِدُوا لِلْمَوْتِ وَابْنُوِا لِلْخَرَابِ … .......................
وَإنْ سُلِّمَ الْفَوْرُ فَمَخْصُوصٌ بِمَا ذَكَرْنَاهُ كَمَا خُصَّتْ ثِقَالُ التَّكَالِيفِ وَالابْتِلاءُ بِاتِّفَاقٍ.
قَالُوا: ﴿نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا﴾ [سورة البقرة: الآية ١٠٦]، وَالْأَشَقُّ لَيْسَ بِخَيْرٍ لِلْمُكَلَّفِ.
وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ خَيْرٌ بِاعْتبَارِ الثَّوَابِ.
الشرح: "قالوا: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ﴾ [سورة النساء: الآية ٢٨]، ﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾ [سورة البقرة: الآية ١٨٥] ونحوه - يمنع النسخ بالأثقل.
"قلنا": لا نسلم العموم في كل تخفيف ويسر، "وإن سلم عموم فسياقها للمآل في تخفيف الحساب وتكثير الثواب"، لا في الحال؛ ولأن فعل الأثقل أقرب إلى تخفيف الحساب، وتكثير الثواب، "أو" أن تسمية الأثقل بالأخف "تسمية الشيء بعاقبته مثل" قول الشاعر: [الوافر]
لَهُ مَلَكٌ يُنَادِي كُلَّ يَوْمٍ … "لِدُوا لِلْمَوْتِ وَابْنُوا لِلْخَرَابِ" (١)
فإنه لما كان عاقبة الولادة للموت، والبناء للخراب، جعلهما غاية لهما، تسمية للشيء باسم عاقبته، كذلك عاقبة الأثقل نيل الثواب واليسر ودفع العقاب والعسر.
"وإن سلم الفور" أي: إرادة التَّخفيف واليسر في كلّ شيء يدخل فيه التخفيف، واليسر في الفور، "فمخصوص بما ذكرناه" من الصور المتضمّنة لنسخ الأخف بالأثقل، "كما خصت ثقال التكاليف" المبتدأة "والابتلاء" بالسقم ونحوه "باتفالق" ولو تم لهم هذا
(١) البيت من الوافر، وهو للإمام علي في ديوانه ٣٨، وخزانة الأدب ٩/ ٥٢٩، ٥٣٠، وعجزه صدر بيت في ديوان أبي العتاهية ٣٣، والحيوان ٣/ ٥١.